وقال مقاتل: يؤخركم إلى منتهى أجلكم (١) في عافية، فلا يعاقبكم بالسنين ولا بغيره (٢).
والمعنى على هذا القول: يؤخركم من العقوبات والشدائد إلى آجالكم، لا من المهلكات.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ﴾ يعني أجل الموت، وأجل العذاب، وكل أجل مسمى عند الله لشيء إذا جاء لم يؤخر.
والمعنى: آمنوا قبل الموت تسلموا من العقوبات، فإن أجل الموت إذا حل لم يؤخر، فلا يمكنكم الإيمان إذا جاء الأجل.

= ويكون معناه: إن آمنتم كان ذلك سببًا في تأخير آجالكم، وكل ذلك بقدر؛ لأن الله علم هل هؤلاء سيؤمنون، أو لا يؤمنون؟ وهم ونوح معهم، لا يعلمون ما الذي في اللوح المحفوظ من قدر الله، ولما كان الإيمان مطلوبًا، مأمورًا به كالدعاء، والصدقة، وصلة الرحم، ونحوها، أُمِر به هؤلاء، وبين لهم نوح عليه السلام أن إيمانهم سبب لخيرات كثيرة، منها: أن يؤخر عنكم العذاب.
وعليه، فليس في الآية ولا في أحاديث الدعاء وصلة الرحم ما يدل على قول المعتزلة من أن للإنسان أجلين، إن آمن أو لم يؤمن، أو وصل رحمه أو لم يصل رحمه، بل أجل واحد محدود، لا يتقدم ولا يتأخر، وهذه الأمور المذكورة من جملة الأسباب المأمور بها، وهي ومسبَّبُها بقدر. قال ابن عطية: وليس في الآية تعلق، لأن المعنى أن نوحًا عليه السلام لم يعلم هل هم ممن يؤخر أو ممن يعاجل، ولا قال لهم: إنكم تؤخرون عن أجل قد حان لكم، لكن سبق في الأزل أنهم إما ممن قضي لهم بالإيمان والتأخير، وإما ممن قضي عليه بالكفر والمعاجلة، ثم تشدد هذا المعنى ولاح لقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ﴾ "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٧٣. وكل ما ذكرته من تحقيق لقول الواحدي قد نقلته عن د. عبد الرحمن بن صالح المحمود بشيء من التصرف، من الكتابة الخطية له، والمحررة ليلة السبت ١١/ ١/ ١٤١٨ هـ.
(١) غير واضح لبياض في: (ع).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٠/ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٩٩، و"فتح القدير" ٥/ ٢٩٧.


الصفحة التالية
Icon