وفي آيات غيرها (١).
قال الكلبي: ولم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد -عليهما السلام- خمسمائة عام، فلمَّا بعث محمد -صلى الله عليه وسلم- مُنعوا من السموات كلها، وحرست بالملائكة والشهب، فعند ذلك قالوا: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾

= الذين يسترقون السمع. قال أبو علي: فإن قيل: كيف يجوز أن تكون المصابيح زينة مع قوله: (وجعلناها رجومًا للشياطين فالقول إنها جعلت لهم لم تزل فتزول الزينة بزوالها، ولكن يجوز أن ينفصل منها نور يكون رجمًا للشياطين، كما ينفصل من السرج، وسائر ذوات الأنوار ما لا يزول بانفصالها منها صورتها. وهذا كما قال بعض أهل العربية: ينفصل من الكوكب شهاب نار، وهذا كقوله: "ولقد جعلنا في السماء بروجًا" الآية.
ومعنى لفظ الشهاب: الشُّعلة الساطعة من النار الموقدة، ومن العارض في الجو، نحو: "فأتبعه شهاب ثاقب". "المفردات في غريب القرآن" ٤٦٧.
وقال أبو حيان: "شهاب": كوكب متوقد مضيء. "تحفة الأريب" ١٨٢.
وقال ابن فارس: "شهب" الشين والهاء والباء أصل واحد يدل على بياض في شيء من سواد لا تكون الشهة خالصة بياضًا.. ، ومن الباب الشهاب، وهو شُعلة نار ساطعة "معجم مقاييس اللغة" ٣/ ٢٢٠، مادة: (شهب)، وانظر: "لسان العرب" ١/ ٥٠٨ مادة (شهب).
(١) نحو ما جاء في سورة الحجر: ١٨ عند قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (١٨)﴾. جاء في تفسير الشهاب: "قال الواحدي: والشهاب: شعلة نار ساطع، ثم يسمى الكوكب شهابًا، والسنان شهابًا لبريقهما يشبهان النار".
وقال ابن عباس في قوله: (بشهاب مبين): يريد نارًا تنير لأهل الأرض.
قال المفسرون: إن الشهاب لا تخطئه أبدًا، وإنهم ليرمون فإذا توارى عنكم فقد أدركه. وقال أصحاب المعاني: إن الله تعالى سمى ما ترجم به الشياطين شهابًا، وهو في اللغة النار الساطعة، ونحن في رأي الحين نرى كأنهم يرمون بالنجوم، فيجوز أن ذلك كما نرى، ثم يصير نارًا إذا أدرك الشيطان، ويجوز أنهم يرمون بشعلة نار من الهواء، ولكن لبعده عما يخيل إلينا أنه نجم. والله أعلم بحقيقة ذلك.


الصفحة التالية
Icon