والقراء مختلفون في إظهار النون وإخفائه من قوله ﴿ن * وَالْقَلَمِ﴾ (١)، فمن أظهرها فلأنه ينوي بها الوقف بدلالة اجتماع الساكنين فيها، وإذا كانت موقوفة كانت في تقدير الانفصال مما قبلها، وإذا انفصل مما قبلها وجب التبيين، لأنها إنما تخفى في حروف الفم عند الاتصال. ووجه الإخفاء أن همزة الوصل لم تقطع مع هذه الحروف في نحو ﴿الم﴾، وقولهم في العدد: واحد، اثنان. فمن حيث لم تقطع الهمزة معها علمت أنه في تقدير الوصل، وإذا وصلتها أخفيت (٢) النون (٣). وقد ذكرنا هذا في قوله: ﴿ص * وَالْقُرْآنِ﴾ [ص: ١] و ﴿يس (١) وَالْقُرْآنِ﴾ [يس: ١ - ٢] قال الفراء: وإظهارها أعجب إلي، لأنها هجاء، والهجاء كالوقوف وإن اتصل (٤).
قوله تعالى: ﴿وَالْقَلَمِ﴾ قال ابن عباس: أول ما خلق الله القلم ثم قال له: اكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى أن تقوم الساعة (٥) قال: وهو قلم من نور طوله كما بين السماء

(١) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وحفص ﴿ن وَالْقَلَمِ﴾ بإظهار النون. وقرأ الباقون بإخفائها. انظر: "حجة القراءات" ص ٧١٧، و"الإتحاف" ص ٤٢١، و"زاد المسير" ٨/ ٣٢٦.
(٢) في (ك): (خفيت).
(٣) انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٣٠٩ - ٣١٠.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١٧٢.
قلت: واختيار الفراء للإظهار لا يعني الطعن أو الرد لما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو اختيار ابن جرير أيضًا. حيث قال: والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان فصيحتان بأيتهما قرأ القارئ أصاب، غير أن إظهار النون أفصح وأشهر، فهو أعجب إليّ. "جامع البيان" ٢٩/ ١١.
(٥) أخرجه ابن جرير في "جامعه" ٢٩/ ١٠، وابن أبي حاتم، وأحمد في "المسند" ٥/ ٣١٧، والترمذي في "سننه"، كتاب: القدر ٤/ ٣٩٧ (٢١٥٥) وقال: هذا =


الصفحة التالية
Icon