وقال مجاهد: ووجدك ضالًا. يعني عن الهدى، فهداك لدينه (١).
قال أصحابنا (٢): وهذا مما يستدرك بالسماع، فأما العقل فجائز في المعقول أن يكون الشخص كافرًا فيرزقه الله الإيمان، ويكرمه بالنبوة، وجائز في العقل الخلع عن النبوة.
٨ - قوله ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ العائل الفقير ذو العَيلة ذكرنا ذلك عند

(١) ورد بنحو من قوله في: "التفسير الكبير" ٣١/ ٢١٦.
قلت: وهذه الأقوال من المفسرين ممن أجروا معناها على ظاهر الآية من الفريق الذي يجوزون الكفر على الأنبياء في وقت من الأوقات قبل البعثة، وقد أشار إلى مثل ذلك الإمام الطبري عند تفسيره قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾ إلى آخر قوله: ﴿قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ [الأنعام: [٧٦ - ٧٧]. "جامع البيان" م: ٥/ ٧، ٢٥٠ - ٢٥١.
كما أشار إلى ذلك أيضًا ابن تيمية -رحمه الله- بقوله: والتائب من الكفر، والذنوب قد يكون أفضل ممن لم يقع بالكفر والذنوب وإذا كان فالأفضل أحق بالنبوة ممن ليس مثله في الفضيلة.
"مجموع الفتاوى" ١٠/ ٣١٠، وانظر: "منهج السفاريني في أصول الدين": ٢/ ٣٥٩.
(٢) وهو ما ذهب إليه القاضي أبو بكر الباقلاني، وبينه الكمال بن الهمام في شرحه للمسامرة.
ومما جاء في هذه المسألة في المسامرة ما يلي: قال ابن الهمام: "أما موجب العقل، فهو التجويز والتوبة، فالعقل لا يمنع وقوعه ثم محو أثره بالتوبة قبل النبوة، فإن قيل: تجويز وقوعه منهم ينافي ما يقتضيه شريف منصبهم من وجوب تصديقهم، وتوقيرهم، وعدم اتصافهم بما ينفر منهم، وأي منفر أشد من الكفر؟ وكيف يوثق بطهارة الباطن من أثره؟ قلنا: قد أجاب القاضي عن ذلك بقوله: ثم إظهار المعجزة أي بعد وقوع التوبة عنه يدل على صدقهم، وعلى طهارة سريرتهم، أي نقاء قلوبهم من أدناس المعاصي، فيجب لذلك توقيرهم، ويندفع النفور عنهم. انظر: كتاب "المسامرة للكمال بن أبي شريف في شرح المسايرة": للكمال بن الهمام في علم الكلام ١/ ٨١ - ٨٢.


الصفحة التالية
Icon