والمراد بالبينة النبي -صلى الله عليه وسلم- (١) كما ذكرنا آنفًا (٢) وذكر الله تعالى فريقين (٣) من الكفار في أول السورة أسلموا لما آتاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذكر هاهنا فرقة واحدة ثبتوا على الكفر، وهم من أهل الكتاب؛ ذلك لأن المشركين لم يقروا على دينهم، فمن آمن منهم صار مؤمنًا، ومن لم يؤمن قوتل وأريق دمه، بخلاف أهل الكتاب الذين تفرقوا على دينهم بأخذ الجزية (٤).
ثم ذكر بماذا كانوا أمروا في كتبهم فقال:
٥ - (قوله) (٥): ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾.
قال ابن عباس: يريد وما أمروا في التوراة والإنجيل (٦).
وقال مقاتل: يقول: وما أمرهم محمد إلا ليعبدوا الله؛ يعني أنه لم

(١) قال بذلك أيضًا: عكرمة، وابن جريج: "الدر المنثور" ٨/ ٥٨٨ وعزاه إلى ابن المنذر.
(٢) آية: ١ من هذه السورة.
(٣) من أول السورة إلى قوله: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ حكمها فيمن آمن من أهل الكتاب والمشركين. ومن قوله: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ حكمه فيمن لم يؤمن من أهل الكتاب والمشركين بعد قيام الحجج. "الكشف والبيان" ١٣/ ١٣٢ ب.
(٤) المراد بالجزية: الخراج المضروب على رؤوس الكفار إذلالاً وصغاراً، واسمها مشتق من الجزاء، إما جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغاراً، وإما جزاء على أماننا لهم لأخذها منهم رفقاً.
"أحكام أهل الذمة" لابن قيم الجوزية ١/ ٢٢، "الأحكام السلطانية والولايات الدينية" للماوردي ١٨١. وقد أجمع الفقهاء على أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن المجوس. "أحكام أهل الذمة" ١/ ١.
(٥) ساقط من (ع).
(٦) "معالم التنزيل" ٤/ ٥١٤، "لباب التأويل" ٤/ ٣٩٩، كما ورد بمثله من غير عزو في: "التفسير الكبير" ٣٢/ ٤٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٤٤.


الصفحة التالية
Icon