معنى، ﴿فَلَا اقْتَحَمَ﴾ فلم يقتحم.
قال الفراء (١)، والزجاج (٢): ولم يضم إلى قوله: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ كلامًا آخر فيه "لا"، والعرب قل ما تتكلم في مثل هذا المكان (٣) إلا بـ"لا" مرتين أو أكثر، لا تكاد تقول: لا حييتنى، تريد مَا حييتنى، فإن قال: لا حييتنى، ولا بررتني صلح. كما قال الله تعالى: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى﴾ [القيامة: ٣١] واكتفى هاهنا بواحدة، لأن المعنى يدل على التكرير، وهو قوله: (فك رقبة أو إطعام (٤))، ﴿ثُمَّ كَانَ﴾ كأنه قيل: فلا تفعل ذا ولاذا، ولا أمن.
قال أبو علي الفارسي: معنى ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ لم يقتحمها، وإذا كانت ﴿لَا﴾ بمعنى ﴿لَمْ﴾ لم يلزم تكريرها، كما لا يلزم التكرير مع ﴿لَمْ﴾، فإن تكررت في موضع نحو: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى﴾ [القيامة: ٣١]، فهو كتكرير لم نحو: ﴿لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان: ٦٧] (٥).
ويدل على صحة مَا ذكر أبو علي مَا أنشد أبو عبيدة، والمبرد (٦):

وأيُّ خميس لا أفَأنَا (٧) نِهابَه وأسيافنا يَقْطُرْن من كَبْشِهِ دَمَا (٨)
يعني: لم يفر، ولم يكرر لا.
وأما مَا ذكرنا عن المفسرين في تفسير العقبة، فغير متوجه هاهنا
(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٦٤ - ٢٦٥.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٢٩.
(٣) في (أ): (للمكان).
(٤) في النسختين، ومعاني الفراء: (طعم).
(٥) "الحجة" ٦/ ٤١٥ بنصه.
(٦) "الكامل" ٢/ ١٠٤٤، ولم أجده في "مجاز القرآن".
(٧) في (أ): (أفا).
(٨) البيت لطرفة بن العبد، سبق ذكره، انظر: تفسير سورة القيامة؛ الآية: ٣١.


الصفحة التالية
Icon