سكان الله (١)، وأهل الله، وولاة بيته الحرام جديب (٢) لا زرع به ولا ضرع، ولا شجر ولا مرعى، وإنما كانت تعيش قريش فيه بالتجارة، وكانت لهم رحلتان في كل سنة: رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، ولولا هاتان الرحلتان لم يكن به مقام، ولولا الأمن بجوارهم البيت لم يقدروا على التصرف، فلما قصد أصحاب الفيل إلى مكة ليهدموا الكعبة، وينقلوا أحجارها إلى اليمن فيبنوا بها هناك بيتًا ينتقل الأمن إليهم، ويصير العز إليهم، أهلكهم الله، لتقيم قريش بالحرم، ويجاوروا البيت (٣). فقال: يذكر نعمته: "ألم تر كيف فعل ربك... " إلى قوله: "فجعلهم كعصف مأكول" "لايلاف قريش" أي لفعلهم؛ أي فعل ذلك ليؤلف قريشًا هاتين الرحلتين اللتين بهما تعيشهم، ومقامهم بمكة.
تقول: ألفت موضع كذا إذا ألزمته (٤)، والفيته الله، كما تقول: "لزمت موضع كذا، وألزمنيه الله، وكرر "لإيلاف" كما تقول في الكلام: أعطيتك المال لصيانة وجهك صيانةً عن كل الناس، فتكرر (٥) الكلام على التوكيد (٦).-انتهى كلامه-.
وهذا الذي ذكره هو على أن يجعل "الإيلاف" واقعًا، ويكون المصدر الواقع مضافًا إلى المفعول.

(١) أي سكان حرم الله كما في "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة.
(٢) أي الحرم وادٍ جديب.
(٣) في (أ) (يجاور).
(٤) في (أ) (ألزمته).
(٥) في (أ) (فتكرير).
(٦) "تأويل مشكل القرآن" ص ٤١٣ - ٤١٥ بيسير من التصرف، وانظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٥٣٩ مختصرًا.


الصفحة التالية
Icon