لم يرد بقوله: ثم ساد التأخير، وإنما المعنى: ثم اذكر أنه ساد أبوه، كذلك في الآية، على أنه يجوز أن يحمل على الظاهر بمعنى: ثم كان في عاقبة أمره من الذين آمنوا، وهو أن يموت مؤمنًا، فإن من كان موافاته على الإيمان نفعته القرب، ومن لا، فلا، ويجوز فيه وجه آخر، وهو أن من أتى هذه القرب تقربًا إلى الله، وابتغاء وجهه، وهو غير مؤمن بمحمد -عليه السلام - ثم آمن به (أجر) (١) على ما سلف له من الخير. يدل على صحة هذا ما روي أن حكيم بن حِزام بعد ما أسلم، قال لرسول الله: "إنا كنا نتحنث (٢) بأعمال في الجاهلية، فهل لنا فيها شيء؟ " فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أسلمت على ما قدمت من الخير" (٣).

= ١/ ١٩٧ ش ١٧٤، "غرائب التفسير" ١/ ٢٦٠.
(١) ساقط من (ع).
(٢) التَحَنَّث: أي تعبَّد واعتزل الأصنام. "الصحاح" ١/ ٢٨٠ (حنث)، وانظر: القاموس المحيط: ١/ ١٦٥ (حنث).
وجاء في "فتح الباري": التحنث: "الإحسان" وعمل الخير من الحنث، وهو الإثم، يقال: تحنث أي ألقى عنه الإثم. ٣/ ٣٠٢.
(٣) الحديث أخرجه البخاري ١/ ٤٤٣، ٤٤٤ ح ١٤٣٦ كتاب الزكاة، باب ٢٤، واللفظ كما هو عند البخاري: عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت أشياء كنت أتحنَّثُ بها في الجاهلية؛ من صدقة، أو عَتاقة، ومن صلة رحم، فهل فيها من أجر؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أسلمت على ما سلف من خير". كما ورد أيضًا في المرجع السابق: ٢/ ١١٩ ح ٢٢٢٠: كتاب البيوع، باب ١٠٠، و٢/ ٢١٨ ح ٢٥٣٨: كتاب العتق، باب ١٢، و٤/ ٩٠ ح ٥٩٩٢: كتاب الأدب. قال المازني: ظاهره: أن الخير الذي أسلفه كتب له، والتقدير: أسلمت على قبول ما سلف لك من خير.
وأخرجه مسلم ١/ ١١٣ - ١١٤: ح ١٩٤، ١٩٥ كتاب الإيمان، والإمام أحمد ٣/ ٤٠٢. =


الصفحة التالية
Icon