والتدسيس تفعيل منه، ومعنى "دَسَاها" هاهنا: أخملها (١)، وخذلها، وأخفى محلها، ولم يشهر مكانًا بالطاعة والعمل الصالح.
وهو معنى قول المفسرين: أضلها، وأغواها، وأبطلها كما ذكرنا.
وقد أقسم الله تعالى بهذه الأشياء التي ذكرها من خلقه، لأنها تدل علي وحدانيته على فلاح من طهره، وخسارة من خذله، حتى لا يظن أحد أنه هو الذي يتولى تطهير نفسه، وإهلاكها بالمعصية من غير قدر، وقضاء سَابق، ويدل على هذه الجملة مَا روي عن (سعيد بن أبي هلال (٢) أن) (٣) النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قرأ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ وقف، ثم قال: "اللهم أئت نفسي تقوها، أنت وليها، ومولاها، وزكها، أنت خير من زكلاها" (٤).
يدل على صحة هذا ما أخبرنا الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر (التميمي رحمه الله) (٥) بقراءتي عليه، قلت (له) (٦): أخبركم أبو
(١) أخملها: الخامل الساقط الذي لا نباهة له، وقد خَمَلَ يخْمُل خمولاً، وأخملته أنا.
"الصحاح" ٤/ ١٦٩٠ (خمل).
(٢) سعيد بن أبي هلال الليثي، أبو العلاء المصري، مولى عروة بن شيَيْم الليثي، روى عن أنس بن هالك يقال مرسل، وجابر بن عبد الله، لم يروِ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولد بمصر سنة ٥٧٠، ونشأ بالمدينة، ثم رجع إلى مصر، مات سنة ١٣٥ هـ، وحُكي عن أحمد أنه اختلط، روى له الجماعة.
انظر: كتاب "المراسيل" ص ٦٧ ت ١١٩، "تهذيب الكمال" ١١/ ٩٤ ت ٢٣٧٢، "تقريب التهذيب" ١/ ٣٠٧ ت ٢٧٤.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) وردت مثل هذه الرواية عن ابن عباس مرفوعة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد رواه الطبراني، وإسناده حسن. قاله الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ١٣٨ سورة الشمس.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٦) ساقط من (ع).