ومعنى قوله: ﴿مِّن دُونِ النَّاسِ﴾ الاختصاص كقولك: هذا لي دونك، أي: أنا مختص به (١).
وقوله تعالى: ﴿فَتَمَنَّوُا المَوْتَ﴾ معنى التمني: هو قولٌ يقدر فيه معنًى يحبه الطبع، وذكرنا ما فيه عند قوله: ﴿إِلَّا أَمَانِىَّ﴾ وَيُدَلّ على التمني بأداةٍ تميِّزُه من الإخبار، كقولك: ليت الله غفر لي، (وليت) أصل في التمني (٢)، وقد يقام مقامها الاستفهام، كقوله: ﴿فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ﴾ (٣) [الأعراف: ٥٣]، وقولك: ألا ماءَ فأشربَه (٤).
٩٥ - قوله تعالى: ﴿وَلَن يَتَمَنَّوهُ أَبَدًا﴾ وذلك أنهم كفروا، وعرفوا أنهم كَفَرة، ولا نصيب لهم في الجنة؛ لأنهم تعمدوا كتمانَ أمر النبي - ﷺ - وتكذيبَه.
وقوله تعالى: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: بما قدموه وعملوه (٥)، فأضاف ذلك إلى اليد، لأن أكثر جنايات الإنسان تكون بيده، فيضاف إلى اليد كل جناية، وإن لم يكن لليد فيها عمل، فيقال: هذا ما اجترحته يدك (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ فيه معنى التهديد، أي: عليم بمجازاتهم، وهذا جرى على مستعمل الكلام يقول الرجل لمن أتى إليه مُنْكَرًا: أنا أعرفك، وأنا بصير بك، تأويله: أنا أعلم ما أعاملك به، وإلا

(١) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣١٠.
(٢) ينظر: "مغني اللبيب" ١/ ٢٨٥.
(٣) كذا أورده في مقام التمني: "القرطبي" ٧/ ٢١٨.
(٤) ينظر: "مغني اللبيب" ١/ ٦٩.
(٥) في (أ): (قدموا فأضاف).
(٦) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣١٢ وبين أن هذا الاستعمال كثير في القرآن، وقيل: المراد: اليد الحقيقية هنا، والذي قدَّمته أيديهم: هو تغيير صفة الرسول - ﷺ -، وكان ذلك بكتابة أيديهم.


الصفحة التالية
Icon