فإن قلت: ما تنكر أن يكون ما ذكره أبو إسحاق من إضمار (كان) أيضًا جائزًا، فيكون ذلك وجهًا ثالثًا.
قيل: ذلك لا يجوز؛ لأن المضمر لا دلالة عليه، وإنما يسوغ الإضمار إذا كانت عليه دلالة يكون بها كالمظهر، وسيبويه منع إجازة هذا، فقال: واعلم أنه لا يجوز لك أن تقول: عبدَ الله المقتول، وأنت تريد: كن عبدَ الله المقتول (١)، فإذا لم يجز هذا، لم يجز هذا مع أن المنصوب يدل على ناصبه، فأن لا يجوز ما ذهب إليه في الآية أولى (٢).
فإن قلت: فقد قالوا: إنْ سيفًا فسيفٌ، وإنْ خنجرًا فخنجرٌ، فأضمروا، قيل: ليس ذلك من هذا في شيء؛ لأن (إن) مما يعلم أنه لا يليه إلا الفعل، فالدلالة على المحذوف المضمر قوية، وليس شيء من هذا في الآية (٣).
وقوله تعالى: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ ذكرنا أنه على تقدير حذف المضاف، وقيل: إن (على) هاهنا من صلة الافتراء والكذب، إذا قلنا إنّ (تتلوا) معناه: تحدّث وتكلّم، على ما قال أبو عبيدة وعطاء، فمعنى قوله: ﴿تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ (٤)؛ لأنهم قالوا: إن سليمان مَلَكَ النّاسَ
(٢) "الإغفال" ص ٣٣٣ بتصرف.
(٣) "الإغفال" ص ٣٣٤ بتصرف.
(٤) ينظر: "التفسير الكبير" للرازي ٣/ ٢٠٤، "البحر المحيط" ١/ ٣٢٦، ابن كثير في "تفسيره" ١/ ١٤٣ - ١٤٦.