قراءتان: التشديد من التفعيل، وهو قراءة عامة القراء، وقرأ ابن عامر بالتخفيف (١). والتشديدُ أولى، لأن التنزيل عليه: كقوله: ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾ [هود: ٣] وقال: ﴿كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [القصص: ٦١] وقال: ﴿وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: ٩٨]. وأمّا التخفيف فإن أَفْعَل قد يكون بمعنى فَعَّل في كثير من المواضع، نحو: فَرَّحْتُه وأفرحْتُه، وأنزلته ونَزَّلته، قال الراعي (٢):

خَلِيطَين من شعبين شتّى تجاورا قديمًا وكانا بالتفرُّقِ أمتعا (٣)
وأما قوله: (قليلا) قال أبو علي الفارسي (٤): يجوز أن يكون صفةً للمصدر، ويجوز أن يكون صفة للزمان. فالدلالةُ على جواز كونه صفة للمصدر قوله: ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾ [هود: ٣] فوصف به المصدر. قال سيبويه (٥): مثال هذا: أنك ترى الرجل يعالج شيئًا فتقول: رُويدًا، أي: علاجًا رويدًا. فإن قيل: كيف يحسنُ أن يكون صفة للمصدر، وفعّل يدل على التكثير، فكيفَ يستقيمُ وصفُ الكثير بالقليل في قوله: ﴿فَأُمَتِعُهُ قَلِيلًا﴾، وهلا كان قولُ ابن عامر أرجحَ؛ لأنَّ هذا السؤال لا يعترض فيه.
(١) ينظر: "السبعة" ص ١٧٠، "معاني القراءات" للأزهري ص ٦٣.
(٢) هو: أبو جندل عبيد بن حصين النميري، والراعي لقبه؛ لكثرة وصفه للإبل، وهو شاعر من المحدثين الفحول، عاصر جريرًا والفرزدق، توفي سنة ٩٠ هـ. ينظر: "الشعر والشعراء" ٢٦٥، "الأعلام" ٤/ ١٨٨.
(٣) ينظر: "ديوانه" ص ١٦٦، "لسان العرب" ٧/ ٤١٢٩، "المعجم المفصل" ٤/ ١٩٩.
(٤) في "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٢٢٢.
(٥) "الكتاب" ١/ ١٢٤.


الصفحة التالية
Icon