كما فعلت اليهود والنصارى (١)، وإنما جاز ﴿بَيْنَ أَحَدٍ﴾، و (بين): تقتضي اثنين؛ لأنَّ أحدًا منهم يقع على الاثنين والجمع، يقال: ما عندي أحدٌ يتكلمون، فجاز دخول (بين) عليه، كما تقول: لا نفرق بين قوم منهم، وبين جمع منهم. ولهذه العلة جمع نعته في قوله تعالى: ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧] (٢).
١٣٧ - قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ قال الزجاج: تأويل هذا: إن أتوا بتصديقٍ مثل تصديقكم (٣)، فيُحْمَلُ على تشبيهٍ بالإيمان، لا على التشبيه في الشيء الذي آمنوا به، كأنه قال: إن آمنوا وكان إيمانهم كإيمانكم، ووحدوا كتوحيدكم، وهذا قول ابن الأنباري، وزاد بيانًا فقال: المعنى: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به، أي: فإن آمنوا مثل إيمانكم، فتزاد الباء للتوكيد، كما زيدت في قوله: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥].
وقال أبو معاذ النحوي (٤): أراد: إن آمنوا هم (٥) بكتابكم كما آمنتم أنتم بكتابهم (٦). فالمثل هاهنا: الكتاب، والمسلمون يؤمنون بالتوراة،
(٢) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٠٩.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٢١٧.
(٤) هو أبو معاذ النحوي المروزي، المقرئ اللغوي، تقدمت ترجمته في المقدمة.
(٥) ليست في (م).
(٦) نقله البغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٦.