رُوِيَ أن النبي - ﷺ - قال: "كل مولود يُولَد على الفطرة" (١)، معناه: إن كل مولود يولد في العالم على ذلك الإقرار الأول، وعلى ذلك العهد حين قالوا: ﴿بَلَى﴾ وهو الفطرة، ومعنى الفطرة (٢): ابتداء الخلقة. ثم يُهَوِّدُ اليهودُ أبناءَهم، وُيمَجِّسُ المجوسُ أبناءَهم، وليس الإقرارُ الأول مما يَقَعُ به حكم، أو عليه ثواب.
وانتصب قوله: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ عند الأخفش (٣) على البدل من قوله: ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾. وذكر الزجاج (٤) في انتصابه الوجهين اللذين ذكرنا في ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾، وقال أبو عبيد: نصب على الإغراء، أي: الزموا واتبعوا (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ أي: دينًا، على القول الأول، وعلى قول ابن عباس: تطهيرًا، ومعناه: أن التطهير الذي أمر الله به مبالغ في النظافة، وعلى قول أبي إسحاق: فطرة وخلقة.
١٣٩ - قوله تعالى: ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا﴾ الخطاب ليهود المدينة، ونصارى نجران، ومحاجتهم أنهم قالوا: إن أنبياء الله كانوا منا، وديننا هو الأقدم، وكتابنا هو الأسبق، ولو كنت نبيًّا كنت منَّا، فأنزل الله تعالى: {قُلْ
(٢) ليست في (أ) و (م).
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٥٠، وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٢٤.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٥.
(٥) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٢٣، وذكر هذا الوجه ابن الأنباري في "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ١٢٦، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٤١٢، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٧.