وقوله تعالى: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾ أي: عَدَلهم وصرفهم (١)، ونذكر أصل هذا الحرف عند قوله: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨].
وقوله تعالى: ﴿عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾ القبلة: الوجهة، وهي الفعلة من المقابلة، والعرب تقول: ماله قِبلة ولا دِبرة، إذا لم يهتد لجهة أمره، وأصل القبلة في اللغة: الحالة التي يقابل الشيء غيره عليها، كالجلسة للحال التي يجلس عليها، إلا أنها الآن صارت كالعلم للجهة التي تستقبل في الصلاة (٢).
وقوله تعالى: ﴿الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ يعنون: بيت المقدس، في قول أكثر المفسرين، والضمير في قبلتهم: للنبي - ﷺ - وأصحابه.
وقال عطاء عن ابن عباس: يريد التي كان عليها إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط (٣)، وهذا على زعمهم؛ لأنهم كانوا يدعون أن قبلة إبراهيم كانت بيت المقدس، وعلى هذا القول الضمير (٤) في ﴿قِبلَتِهِمُ﴾ لإبراهيم ومن ذُكر بعده، كأنهم قالوا: ما ولّى النبي وأصحابه عن قبلة إبراهيم والأسباط. والقول هو الأول، وعليه المفسرون.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ أي: له أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء (٥).
وقيل: أراد بالمشرق الكعبة؛ لأن المصلي بالمدينة إذا توجه إلى الكعبة فهو متوجه إلى المشرق، وإذا توجه إلى بيت المقدس فهو متوجه إلى

(١) "تفسير الطبري" ٢/ ٢، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٣٧ - ١٣٨.
(٢) "اللسان" ٦/ ٣٥١٧ (قبل).
(٣) قريب منه في "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٤٧.
(٤) ساقط من (م).
(٥) كذا في "تفسير القرطبي" ٢/ ١٤٠.


الصفحة التالية
Icon