إليهم، فينكرون أن نوحًا بلّغهم ما أرسل به إليهم، فيقول الله تعالى لنوح: ما فعلت فيما أرسلتك؟ فيقول: بلّغته قومي فكذّبوني وعصوك، فيقول الله له: زعموا أنك لم تبلّغهم فهل لك شهيد؟ فيقول: نعم، محمد وأمته، فيدعى بأمة محمد، فيقول الله تعالى: بم تشهدون لنوح؟ فيقولون: نشهد أنه قد بلّغ رسالاتك، فكذبوه وعصوك، فتقول أمة نوح: هؤلاء بعدنا يارب؛ كيف يشهدون علينا؟ فيقولون: ربنا أرسلت إلينا رسولًا، فآمنا به وصدقناه، فكان فيما أنزلت عليه ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٥]، إلى قوله: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء: ١١١]. قال: ثم يؤتى بأمة بعد أمة فيشهدون عليهم (١).
وشهداء: لا ينوّن؛ لأن فيه ألف التأنيث، وألف التأنيث يبنى معها الاسم، وجعل الجمع بألف التأنيث كما جعل بهاء التأنيث، نحو: أَجْرِبَة، وأغْرِبَة، وضَرَبَة، وكَتَبَة (٢). وقال ابن زيد في هذه الآية: الأشهاد أربعة: الملائكة، والأنبياء، وأمة محمد - ﷺ -، والجوارح، وهذا كقوله: ﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾ [الزمر: ٦٩]. وقوله: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١] (٣).

(١) ذكره بمعناه من غير نسبة الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٣٦، وينظر: "تفسير البغوي" ١/ ١٥٨، وبمعناه: حديث أبي سعيد عند البخاري (٧٣٤٩) كتاب الاعتصام، باب: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، ورواه الترمذي (٢٩٦١) كتاب التفسير، باب: ومن تفسير سورة البقرة، والنسائي في "التفسير" ١/ ١٩٧، وابن ماجه (٤٢٨٤) كتاب الزهد، باب: صفة أمة محمد - ﷺ -.
(٢) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٠ بتصرف، وأجربة: جمع جريب، والأصل فيه: كل أرض ذات حدود، ثم استعمل في مقدار معين من الأرض، وهو يستعمل في المساحة والكيل. وضربة: جمع ضارب.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١١.


الصفحة التالية
Icon