فحذف المفعول الثاني، أو أراد بـ (جعلنا) معنى نصبنا، كما بينا.
ويجوز أن يريد بمعنى الكون: الحال، كقوله: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩] أي: من هو في الحال صبي، وكقوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ﴾ [آل عمران: ١١٠] أي: أنتم. ويؤكد هذا التأويل الثاني: أن جماعة من اليهود لما صرفت القبلة إلى الكعبة، قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس، أكانت هدًى أو ضلالةً؟ فإن كانت هدًى، فقد تحولتم عنها، وإن كانت ضلالة، لقد دنتم الله بها؟ فقال المسلمون: إنما الهدى ما أمر الله به، والضلالة ما نهى الله عنه، عيّروهم بنسخ القبلة (١).
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ والله تعالى عالم لم يزل، ولا يجوز أن يحدث له علم.
واختلف أهل المعاني في وجه تأويله (٢):
فذهب جماعة إلى أن العلم له منزلتان: علم بالشيء قبل وجوده، وعلم به (٣) بعد وجوده، والحكم للعلم بعد الوجود؛ لأنه يوجب الثواب والعقاب، والمتعبد بالشيء إذا لم يُطع وعصى عَلِمَه اللهُ تعالى عاصيًا، وإذا
(٢) ينظر في وجوه تأويل هذا: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢ - ١٤، "تفسير البغوي" ١/ ١٦٠، "المحرر الوجيز" ٢/ ٧ - ٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٣، "البحر المحيط" ١/ ٤٢٤.
(٣) سقطت من (ش).