الآية نزلت ورسول الله - ﷺ - في مسجد بني سلمة، وقد صلّى بأصحابه (١) ركعتين من صلاة الظهر، فتحول في الصلاة نحو الكعبة، وحول الرجالَ مكانَ النساء، والنساءَ مكانَ الرجال، فسمي ذلك مسجد القبلتين (٢). فلما حولت القبلة إلى الكعبة قالت اليهود: يا محمد، ما أُمرت بهذا، وإنما هو شيء تبتدعه من تلقاء نفسك! فأنزل الله سبحانه: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ (٣)، والكناية في ﴿أَنَّهُ﴾ يجوز أن ترجع إلى المسجد الحرام، أي: إنهم عالمون أن المسجد الحرام قِبْلَة إبراهيم وأنه حق.

(١) في (م): (أصحابه).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٤٤ عن مجاهد وغيره، وينظر: "تفسير البغوي" ١/ ١٦٢، (الخازن) ١/ ١٢١.
(٣) ذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٤٦، وذكره هكذا الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٤٤، والبغوي ١/ ١٦٢، وأخرج الطبري ٢/ ٢٤ - ٢٥ نحوه عن السدي، وقد اختلفت الروايات كثيرًا في الوقت والمكان والكيفية التي غيرت فيها القبلة، وقد ذكر جملة منها: السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٢٦٧ - ٢٧٣.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" ١/ ٥٠٣: اختلفت الرواية في الصلاة التي تحولت القبلة عندها، وكذا في المسجد، فظاهر حديث البراء هذا أنها الظهر، وذكر محمد بن سعد في "الطبقات" قال: يقال: إنه صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين، ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام، فاستدار إليه، ودار معه المسلمون، ويقال: زار النبي - ﷺ - أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة، فصنعت له طعامًا، وحانت الظهر، فصلى رسول الله - ﷺ - بأصحابه ركعتين، ثم أمر فاستدار إلى الكعبة، واستقبل الميزاب، فسمي مسجد القبلتين. قال ابن سعد: قال الواقدي: هذا أثبت عندنا. وذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٥٧، خلاف العلماء في وقت تحويل القبلة فلينظر.


الصفحة التالية
Icon