أتم هذه كما أتممت تلك، وبيان هذا: ما ذكر محمد بن جرير، قال: إن إبراهيم عليه السلام دعا بدعوتين:
إحداهما: قوله ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا﴾ [البقرة: ١٢٨].
الثانية: قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٩] وهو محمد - ﷺ -، فالله تعالى قال: ﴿وَلِأُتِمَّ نِعمَتِى﴾ ببيان شرائع ملتكم الحنيفية، وأهديكم لدين خليلي إبراهيم، ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ﴾ يعني (١): فكما أجبتُ دعوته بابتعاث الرسول، كذلك أجيب دعوته بأن أهديكم لدينه، وأجعلكم مسلمين، فيكون هذا إجابةً لدعوته حيث قال: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً﴾ (٢) وهذا الوجه اختيار الفراء (٣).
القول الثاني: أن ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا﴾ جواب لقوله: ﴿فَاذْكُرُونِي﴾ معناه: فاذكروني أذكركم كما أرسلنا، فيكون هذا بمنزلة جزاءٍ له جوابان، أحدهما: مقدم، والآخر: مؤخر، ومثله من الكلام: إذا أتاك عبد الله فأتِه (٤) تُرْضِه، فقد صارت فأتِه ترْضِه جوابين (٥).

(١) في (ش): (معنى).
(٢) "تفسير الطبري" ١/ ٣٥ - ٣٦ بتصرف. ورجحه مكي بن أبي طالب في "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١١٤، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٤٤.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٢، وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٦٢.
(٤) في (ش): كتبت: (فأنه).
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٢، وذكر الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٦٢، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٤٤ أن هذا قول مجاهد وعطاء والكلبي ومقاتل، وهو اختيار الأخفش والزجاج وابن كيسان والأصم، وردّ الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٦ قول من قال: معنى الآية: فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أذكركم =


الصفحة التالية
Icon