والصحيح في تفسير هذه الآية: ما قاله ابن عباس في رواية عطاء:
﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ يريد: إن قاتلوكم في الشهر الحرام، فقاتلوهم في مثله (١)، واختار الزجاج هذا القول، فقال: معناه: قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ قال ابن عباس: يريد: إن انتهكوا لكم حرمةً فانتهكوا منهم مثل ذلك.
وقال الزجاج: أعلم الله عز وجل أن أمر هذه الحرمات قصاص (٣)، أي: لا يكون للمسلمين أن ينتهكوها على سبيل الابتداء، ولكن على سبيل القصاص. وهذا القول أولى القولين بالصواب، وأشبهها بالآية وبما (٤) قبلها، وهو قوله: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] والذي يدل عليه من سياق الآية.
قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ أي: ظلم، فقاتل، ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾. وسمى الثاني اعتداءً لأنه مجازاة اعتداء فَسُمِّي بمثل اسمه؛ لأن صورةَ الفِعْلين واحدة، وإن كان أحدهما طاعة والآخر معصية،

(١) تقدم الحديث عن رواية عطاء ص ٩٢، وقد ذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٢١٥، ولم ينسبه، وروى الطبري ٢/ ١٩٨، وابن أبي حاتم ١/ ٣٢٩ عن عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال: أمركم الله بالقصاص، ويأخذ منكم العدوان، وهي بمعنى ما ذكره الواحدي، وعزا ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٠١ هذا القول إلى الحسن البصري.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٤.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٤.
(٤) في (أ)، (م): (بما) بلا واو.


الصفحة التالية
Icon