وهي مدّة غيبة موسى عنهم، فكذّبهم الله عز وجل، فقال: قُل يا محمد: ﴿أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا﴾ أي: أخذتم بما تقولون من الله ميثاقًا فالله لا ينقُض ميثاقه، أم تقولون على الله الباطل جهلًا منكم. وَ (أَمْ) هاهنا يحتمل أن تكون متصلة على المعادلة لألف الاستفهام بمعنى: عَلَى أي الحَالَتَين أنتم؟ على اتخاذ العهد أم على القول بما لا تَعلَمُون.
ويحتمل أن تكون منقطعة (١)، على تقدير تمام الكلام قبلها، كأنه تم الكلام عند قوله: ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ﴾ ثم استأنف بـ (أم) على معنى: لا تقولون على الله مالا تعلمون. وكذا تقديرها وإن كانت منقطعةً (٢).
٨١ - قوله تعالى: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ قال الفراء: (بلى): تكون جوابًا للكلام الذي فيه الجحد، فإذا قال الرجل: ألست تقوم؟ فتقول: بلى. ونَعم جواب للكلام الذي لا جحد فيه، فإذا قال الرجل: هَل تقوم؟ قلت: نعم. قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى﴾ [تبارك: ٨، ٩]، وقال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢]، وقال: ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ﴾ [الأعراف: ٤٤]، وإنما صارت (بلى) تتصل بالجحد؛ لأنّها رجوع عن الجحد إلى التحقيق، فهي بمنزلة (بَل)، و (بل) سبيلها أن تأتي بعد الجحد، كقولهم: مَا قام أخوك بل أبوك، وما أكرمت أخاك بل أباك.
فإذا قال الرجل للرجل: ألا تقوم، فقال: بلى، أرادَ: بل أقوم، فزاد الياء على (بل) ليحسن السكوت عليها؛ لأنه لو قال: بل كان يتوقع كلامًا بعد بل، فزاد الياء (٣) على بل ليزول عن المخاطب هذا

(١) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٢٧٨.
(٢) كذا في الأصل، ولعل الصواب: كذا تقديرها إن كانت منقطعة.
(٣) أراد الألف المقصورة، وهكذا عدها الفراء ألفًا.


الصفحة التالية
Icon