أوتوا الكتاب، والله تعالى كثيرًا ما يذكرهم في القرآن بهذا اللفظ، كقوله: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٥]، كأنه قال: وما اختلف في الكتاب إلا اليهود والنصارى (١).
واختلافهم: كفر بعضهم بكتاب بعض بغيًا وحسدًا. ويحتمل أن يكون المراد باختلافهم: تحريفهم وتبديلهم؛ لأن اليهود بدلت التوراة، وعلى هذا المراد اليهود دون النصارى إن لم تبدل النصارى، والوجهان في الاختلاف ذكرهما الفراء (٢).
وقال بعضهم: الكناية راجعةٌ إلى محمد - ﷺ -، لأنه من جملة النبيين وداخل فيهم، وعلى هذا معنى الآية: وما اختلف في أمر محمد بعد وضوح الدلالات لهم بغيًا وحسدًا إلا اليهود الذين أوتوا الكتاب، وذلك أن المشركين وإن اختلفوا في أمر محمد فإنهم لم يفعلوا ذلك للبغي والحسد، ولم تأتهم البينات في شأن محمد - ﷺ - وصحة نبوته كما أتت اليهود. فاليهود مخصوصون من هذا الوجه الذي ذكرنا (٣)، وهذا اختيار الزجاج، وقال في هذه الآية: لم يوقعوا الاختلاف إلا للبغي؛ لأنهم عالمون بحقيقة أمره في كتبهم (٤)، ويجوز أن تعود الكناية إلى الحق كأنه قال: وما اختلف في الحق، وذلك الحق الذي اختلفوا فيه هو: إما محمد - ﷺ -، وإما كتابهم،
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٣١، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٥، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢١١، "تفسير القرطبي" ٣/ ٣٢، "البحر المحيط" ٢/ ١٣٦ - ١٣٧.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للنحاس ١/ ١٦١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٥، "البحر المحيط" ٢/ ١٣٦ - ١٣٧.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٤.