وقوله تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ لأن في الغزو إحدى الحسنين: إما الظفر والغنيمة، وإما الشهادة والجنة، ﴿وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا﴾ يعني: القعود عن الغزو، وهو شر لكم؛ لما فيه من الذل والفقر وحرمان الغنيمة والأجر (١).
﴿وَعَسَى﴾ عند العامة شك وتوهم، وهي عند الله يقين وواجب. وعسى. فعل يتصرف، درج مضارعه وبقي ماضيه، فيقال منه: عسيتما وعسيتم، قال الله تعالى: ﴿فَهَل عَسَيْتُم﴾ [محمد: ٢٢] يتكلم فيه على فعل ماض، (وأميت) (٢) ما سواه من وجوه فعله.
ويرتفع الاسم بعده كما يرتفع بعد الفعل، فتقول: عسى زيد، كما تقول: قام زيد، ويقال منه: أعس بفلان أن يفعل كذا، مثل أحر وأخلق، وبالعسى أن يفعل كذا، يقول: بالحري أن يفعل، ومعناه في جميع الوجوه: قريب وقَرُبَ وأَقْرِب به.
ومنه قوله: ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: ٧٢]، بمعنى: قرب، ومنه: ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ [الإسراء: ٥١]، أي: قرب ذلك، وكثرت (عسى) على الألسنة حتى صارت كأنها مثل: (لعل).
وتأويل (عسى): التقريب؛ لكون الشيء الذي يقع عليه ويقتضيه فيجري مجرى (كاد) (٣) وقرب، ولما كانت فعلًا لم تخل من ذكر فاعل، وهو الاسم الذي يدل عليه (عسى)، كقولك: عسى زيد، فزيد رفع لأنه

(١) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٤٥.
(٢) في (ي): ليست.
(٣) في (ي): عاد.


الصفحة التالية
Icon