واختلف القراء في قوله: ﴿إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ فقرأ حمزة والكسائي (كثير) بالثاء، الباقون بالباء (١)، وحجتهم: أن الباء أولى؛ لأن الكِبَر مثلُ العِظَم، ومقابل الكِبرِ الصِّغَر، قال الله تعالى: ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾ [القمر: ٥٣] وقد استعملوا في وصف الذنب العِظَمَ والكِبَرَ، يدل على ذلك قوله: ﴿كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾ [النجم: ٣٢]، ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء: ٣١]، بالباء، كذلك هاهنا ينبغي أن يكون بالباء، ألا ترى أن شرب الخمر والميسر من الكبائر.
وقالوا في اللمم: صغيرٌ وصغيرة، ولم يقولوا: قليل، فلو كان (كثير) متجهًا في هذا لوجب (٢) أن يقال في غير الكبيرة (٣): قليل، ألا ترى أن القلة تقابل الكثرة، كما أن الصغر يقابل الكبر. واتفاق القراء على الباء في ﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ﴾، ورفضهم الثاء مما يقوي الباء.
وأما من قرأ بالثاء فلأنه قد جاء فيهما ما يقوي (٤) وصف الإثم فيهما بالكثرة دون الكبر، وهو قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ﴾ [المائدة: ٩١] فذكر عددًا من الذنوب فيهما، ولأن (٥) النبي - ﷺ - لعن عَشْرَةً في سبب الخمر (٦)،