الخبيث تنفقون، ولا تأخذون منه إلا إذا أغمضتم، أي: ساهلتم. وقوله تعالى: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ﴾ الآخذون وصف وضع موضع الفعل، والمراد: لا تأخذون، كقوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٣] أي: أم صَمَتُّم، فيكون تأويل هذا الفصل: تنفقون منه ولا تأخذونه إذا وجب لكم إلا بالإغماض.
الفريق الثاني: أن انتهاء الفصل: ﴿إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾، فيكون (الذي) مضمرًا، كأنه قيل: ولا تيمموا الخبيث منه الذي تنفقونه، ولستم بآخذيه إلا بالإغماض (١)، والعرب قد تضمر (الذي) كما ذكرنا في قوله: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ [البقرة: ٢٥٦].
قال المفسرون: وفي هذه الآية بيان أن الفقراء شركاء رب المال في ماله، فإذا كان ماله جيدًا فهم شركاؤه في الجيد، والشريك لا يأخذ الرديء من الجيد، إلا بالتساهل (٢).
٢٦٨ - قوله تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ الفَقْرُ والفُقْرُ لغتان (٣)، وهو الضعف بقلة الملك، وأصل الفقر في اللغة: كسر الفَقَار، يقال: رجل فَقِرٌ وفَقِير: إذا كان مكسور الفَقَار (٤)، قال طرفة:
إنَّنِي لَسْتُ بِمَوْهُونٍ فَقِرْ (٥)
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٨٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢٧.
(٣) قال الليث: والفُقر: لغة رديئة. ينظر "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٨١٢ مادة (فقر).
(٤) ينظر في الفقر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٨١٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢٩، "المفردات" ٣٨٥، "اللسان" ٦/ ٣٤٤٤ مادة (فقر).
(٥) صدره: وإذا تلسُنني ألسُنها.
البيت في "ديوانه" ص ٦٠، وفي "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٣٠، و"اللسان" ٦/ ٣٤٤٥ =