قال أهل المعاني (١): هذا تمثيل المعلومِ بالمرئيِّ، والعرب تفعل ذلك، فإذا سمع السامع ذلك المعلوم، كان عنده بمنزلة ما يشاهده عَياناً؛ وذلك أن الصافي هو: النَّقيُّ من شائب الكَدَر فيما يُشاهَد. فمُثِّلَ به خُلُوص هؤلاء القوم من الدنس؛ لأنهم خلصوا كخلوص (٢) الصافي من شائب الأدناس. وقيل في معنى (اصطفائه إيَّاهم)، قولان:
أحدهما: اصطفى دينهم على سائر الأديان؛ لأن دين الجماعة الإسلامُ، وقد قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ١٩]، وهذا اختيار الفرَّاء، قال (٣): وهو من باب حذف المضاف، كقوله: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢].
القول الثاني: أنه اصطفاهم بالنبوَّة والرسالة، على عالمي زمانهم. وأراد بـ ﴿آلَ إِبْرَاهِيمَ﴾ إسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط (٤).
(٢) في (ج) و (د): (الخلوص).
(٣) في "معاني القرآن" ٢/ ٢٠٧، وهو اختيار الطبري كذلك في "تفسيره" ٣/ ٢٣٢.
(٤) هذا قول ابن عباس ومقاتل، وفي روايةٍ عن ابن عباس والحسن: أنه من كان على دينه. قال البخاري: (قال ابن عباس: ﴿وَآلَ عِمْرَانَ﴾ المؤمنين من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد - ﷺ -، يقول: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ [آل عمران: ٦٨]، وهم المؤمنون). "الصحيح" ٤/ ١٣٨ كتاب الأنبياء. باب: ٤٤. وقيل: هو نفسه. انظر: "وضح البرهان" للنيسابوري: ١/ ٢٣٨، "زاد المسير" ١/ ٣٧٤، "تفسير القرطبي" ٤/ ٦٢، "كشف المعاني" لابن جماعة: ١٢٧، "الدر المنثور" ٢/ ٣٠، وتفسير ابن عباس ومروياته من كتب السنة: ١/ ١٦٥. ومردُّ الخلاف: في ذلك إلى الـ (آل)، وهل هي تعني: الأهل والقرابة؟ أم الأتباع سواءً كانوا قرابة أو غيرهم؟ أم تعني: الرجل نفسه؟ والمسألة فيها خلاف، ولكلِّ قولٍ دليله. انظر: "اللسان" ١/ ١٧١ (أول).