المستقبل، في الجزاء لا في غيره، والمعنى: أنه أخذ ميثاقهم على أن ينصروه ويؤمنوا بما يأتيهم فيما يستقبل من كتاب وغيره.
والدليل على أن ﴿آتَيْتُكُمْ﴾، ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ﴾، معناه مستقبل: قوله: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾، وإذا كان جزاءً كانت اللاّمُ توكيدا.
وقد قال سيبويه (١): ومثل هذه الآية؛ قوله: ﴿لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ [الأعراف: ١٨]، فهذا جزاء، والفعل (٢) الماضي في معنى المستقبل، ولام القسم التي تعتمد عليها اللاّم في ﴿لَأَمْلَأَنَّ﴾ وهي وإن كانت مؤخرة فمعناها التقديم.
وقوله تعالى: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ تقديره (٣): أول الكلام في قول من قدّر (ما) جزاء، والتمثيل: (وإذ أخذ اللهُ ميثاق النبيين لتؤمنن به)، وجواب الشرط، محذوف مستغنى عنه؛ لدلالة لتؤمنن به، الذي هو جواب القسم عليه، كما أن قولك: (لآتِيَنَّك إنْ أتيتني)، كذلك؛ والمعنى: (واللهِ، لآتِيَنَّك إنْ أتيتني). فيكفي جوابُ القسم من جواب الجزاء، وإذا كانت بمعنى الجزاء على ما (٤) وصفنا فيكون تقدير المعنى: لأَنْ آتيتكم شيئًا من كتاب وحكمة، -ومهما آتيتكم- ثم جاءكم رسول، لتؤمنُنَّ به.

(١) في "الكتاب" له: ٣/ ١٠٨. ونص قوله: (ومثل ذلك: ﴿لَّمَن تَبِعَكَ مِنهُمْ لَأَمْلَأَنَّ﴾، إنما دخلت اللام على نِيَّة اليمين). وقول سيبويه هنا من تتمة نقل المؤلف لكلام المازني من "الإغفال".
(٢) من قوله (والفعل..) إلى (.. فمعناها التقديم): نقل المؤلف هذه العبارات بالمعنى، وهي من تتمة كلامِ المازني في "الإغفال".
(٣) من قوله: (وتقديره..) إلى (.. لآتينك إن أتيتني كذلك): نقله بتصرف عن "الإغفال" للفارسي: ١/ ٥٨٧.
(٤) في (ب): (كما) بدلًا من: (على ما).


الصفحة التالية
Icon