ذَكَرْنا في القراءة الأولى. ويكون المعنى: ما كان لِنَبيٍّ غُلولٌ من المُتَحقِّقِينَ بِنُبُوَّتِهِ؛ أي: لم يَخُنْهُ أصحابُهُ وأنصارُهُ، ويكون في هذا ذَمٌّ لِمَن خانَه.
يُؤكِّد هذا المعنى ما روى عطاءٌ عن ابن عباس (١)، في قوله: ﴿وَمَا كاَنَ لِنبيٍّ أَن يَغُلَّ﴾؛ يريد: أن يكون ممن يَصْحَبُهُ، أحدٌ يَغُلُّ ويَسْتَحلُّ الغُلُولَ.
وإن أخذت بهذه القراءةِ مِنَ (الإغْلال)، احتَمَلَتْ -أيضا- معنيين:
أحدهما: أن يكون (الإغلال) بمعنى (الغُلول). يقال: (غَلّ الرجلُ مِنَ الغنيمة، يَغل غَلًّا، وغلولًا)، و (أَغَلّ إغلالًا): إذا سَرَق منها (٢). ذكره الزّجاج في باب الوفاق (٣) ومِن هذا يقال: (أغَلّ الجازِر، والسَّالِخُ): إذا أبْقَى في الجِلْدِ شيئًا مِنَ اللَّحْمِ؛ على طريقِ السَّرِقَةِ والخيانة (٤).
قال النَّمْر بن تَوْلَب (٥):
(٢) يقال: (غَلَّ، يَغُلُّ، غُلولًا): للخيانة في المغنم خاصة. و (أغَلَّ، يُغِلُّ، إغلالًا): للخيانة في المغانم، وغيرها. و (غَلَّ، يَغِلُّ، غِلًّا): للحقد والضِّغْنِ والشحناء. انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ١٢٤، و"إصلاح المنطق" ٢٦٥ - ٢٦٦، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٨٨ (غلل)، و"ما جاء على فعلت وأفعلت" للجواليقي ٥٧، و"اللسان" ٦/ ٣٢٨٥ (غلل).
(٣) لم أقف على مصدر قول الزجاج هذا.
(٤) انظر (غلل) في: "إصلاح المنطق" ٦٥، و"التهذيب" ٣/ ٢٦٩٠، و"اللسان" ٦/ ٣٢٨٦.
(٥) من بداية بيت الشعر، وإلى (.. أي: لا يقال له: غللت): نقله المؤلف -بتصرف؛ واختصار- عن: "الحجة" للفارسي ٣/ ٩٥ - ٩٧.
والنَّمْر، هو: ابن تَوْلَب بن أقَيْش العُكْلي، وكُنْيَته: أبو قيس، وأبو ربيعة. شاعر مُخضْرَم، أدرك الجاهلية والإسلام، وَفَدَ على النبي - ﷺ -، وأسلم وحسن إسلامه. انظر. "الشعر والشعراء" ص ١٩١، و"الإصابة" ٣/ ٥٧٢، و"الأعلام" ٨/ ٤٨.