ومن النحويين (١) من يذهب إلى أن العلّة المانعة للصرف في (مثنى) وبابه، أن العدل تكرر فيه؛ لأنه عُدِل لفظ (اثنين)، وعُدِل عن معناه أيضًا، وذلك لا يستعمل في موضع يستعمل (٢) فيه الأعداد غير المعدولة. ألا ترى أنك تقول: جاءني اثنان وثلاثة، ولا يجوز أن تقول: جاءني مثنى وثلاث، حتى يتقدم قبله جمع؛ لأن هذا الباب جُعِل بيانًا لترتيب الفعل، فإذا قال القائل: جاءني القوم مثنى مثنى، أفاد أن ترتيب مجيئهم وقع اثنين اثنين.
وأما الأعداد غير المعدولة، فإنما الغرض فيها الإخبار عن مقدار المعدود (دون (٣)) غيره، فقد بان بما ذكرنا اختلافهما في المعنى، فلذلك جاز أن تقوم العلة مقام العلتين، لإيجابها حكمين مختلفين (٤).
والواو في قوله: ﴿مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ دالة على تفرّق الأنواع، وتجنيس المُباح من الزوجات، فمن تزوج مثنى لم يضم إليهما ثلاثًا، وكذلك من تزوج ثلاثًا لم يضم إليهن أربعًا.
قال الشاعر:
ولَكِنَّمَا أَهْلِي بوادٍ أَنيسُه | ذئابٌ تَبَغَّى الناس مثْنَى وَموْحَدا (٥) |
(٢) في "البحر"، و"الدر" (تستعمل) بالتاء.
(٣) في (د): (عن)، وما أثبته مطابق لـ"البحر"، و"الدر".
(٤) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٤٣١، ٤٣٢، "البحر المحيط" ٣/ ١٥١، "الدر المصون" ٣/ ٥٦٣.
(٥) البيت لساعدة بن جُؤيّة الهذلي كما في "ديوان الهذليين" ١/ ٢٣٧، "الكتاب" =