فلا معنى إذًا أن يقول: ذلك أدنى أن لا يكثر عليكم (١) بعد إباحة الكثير من السراري.
ودليل آخر، وهو أنه قال: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ ولم يقل: أن تفتقروا، فكان الجواب معطوفًا على هذا الشرط، ولا يكون جوابه إلا بضد العدل وهو الجور، لا لكثرة العيال. ذكر هذا صاحب النظم (٢).
ورُوي عن مجاهد أنه قال: معنى قوله: ﴿أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ ألا تضلوا (٣). وهذا راجع إلى الأول (٤)، لأن الميل عن الحق ضلال.
قوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ فيه قولان:
أحدهما: أن هذا خطاب لأولياء النساء، وذلك أنّ العرب كانت في الجاهلية لا تُعطي النساء من مهورها شيئًا، ولذلك كانوا يقولون لمن وُلدت له ابنة: هنيئًا لك النافجة. ومعناه أنك تأخذ مهرها إبلًا فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك، أي تعظمه (٥).
وقال ابن الأعرابي: النافجة ما يأخذه الرجل إذا زَوّج ابنته من الحُلوان فنهى الله عز وجل عن ذلك، وأمر بدفع الحق إلى أهله (٦).
(٢) أي "نظم القرآن" وهو الجرجاني، تقدمت ترجمته.
(٣) رواه الثوري في "تفسيره" ص ٨٧ بسنده عن مجاهد، وأورده الثعلبي في "الكشف والبيان" ٤/ ٧ ب. انظر: "تفسير البغوي" ٢/ ١٦٢، "زاد المسير" ٢/ ١٠.
(٤) أي: تميلوا وتجوروا، قال الهواري لما ذكر القولين: وهو واحد، "تفسير كتاب الله العزيز" للهواري ١/ ٣٤٧.
(٥) انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ١١٥، ١٢٠، "تهذيب اللغة" (نفج) ٤/ ٣٦٢٤، "الكشف والبيان" ٤/ ٨ أ.
(٦) لم أقف عليه.