منهم لِقَتْلِ (١) مَن قُتِلَ مِنَ الرِّبَيِّينَ، لأن مَنْ قُتِلُوا لا يُوصَفُونَ بِأَنَّهُمْ (ما وَهَنُوا).
وحُجّة هذه القراءة: أنَّ هذا الكلامَ، اقتصاصُ ما جرى عليه سَيْرُ (٢) أُمَمِ الأنبياء -عليهم السلام- قبلهم؛ لِيَتَأَسَّوا بهم. وقد قال: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٤٤].
ومَنْ قَرَأَ: ﴿قَاتَلَ﴾، جاز فيه الوجهان اللذان ذكرنا في ﴿قُتِلَ﴾، مِن إسناد القِتَالِ إلى ﴿نَّبيٍّ﴾، أو إلى ﴿الرِّبِّيِّينَ﴾.
وحُجَّةُ هذه القراءة: أنَّ المُراد بهذه الآية مدح الطائفة الذين مع النَّبِيِّ، بالقتال والثَّبَاتِ على ما كان عليه نَبِيُّهُمْ. والقتال أَلْيَقُ بهذا المعنى مِنَ القَتْلِ، فَحَصلَ مِن هذا أنَّ قوله: ﴿وَكَأَيِّنْ﴾، موضع الكاف الجَارَّةِ مع المجرور، رَفْعٌ بالابتداء، كما أنَّ موضع (لَهُ كَذَا وَكَذَا)، رَفْعٌ. وخَبَرُهُ: ﴿قُتِلَ﴾؛ إذا أسندت القَتْلَ إلى ﴿نَبِيٍّ﴾. وإذا لم يُسنَدْ القَتلُ إليه، كان قولُه: ﴿قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ﴾: صِفَةً لـ ﴿نَبِيٍّ﴾، وتُضمِرُ للمبتدإ خَبَرًا؛ بتقدير: (كَأيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ معه رِبِّيُّونَ كثيرٌ قبلكم أو مضى). وما أشبهه من التقدير.
وهذا الذي ذكرنا في هذه الآية: قولُ الفَرَّاء (٣)، والزجَّاج (٤)، وأبي علي (٥)، وجميع مَن يُوثَقُ بِعِلْمِهِ في النحو (٦).

(١) في (ج): (بقتل).
(٢) في "الحجة"، ضُبِطت: سِيَرُ.
(٣) في "معاني القرآن" له ١/ ٢٣٧.
(٤) في "معاني القرآن" له / ٤٧٦.
(٥) في "الحجة للقراء السبعة" ٣/ ٨٣ - ٨٤
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ١١٧، و"إيضاح الوقف والابتداء" ٢/ ٥٨٥ - ٥٨٧،=


الصفحة التالية
Icon