وعلى هذا يكون قوله: ﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ كلام معترض. وقد يفعل ذلك العرب، يدخلون بين كلام متصل فصلًا يقرب منه في المعنى، وليس هو إياه، وهو كثير في الشعر، من ذلك قول الشاعر:

وقد أدركتني والحوادث جمة أسنة قوم لا ضعافٍ ولا عزل (١)
أراد: أدركتني أسنة قوم، فأدخل بينهما جملة معترضة، وهي من قبيل معنى كلامه؛ لأن إدراك الأسنة إياه من جملة الحوادث.
ويسمي الرواة مثل هذا التفاتًا. وهذه طريقة صحيحة (٢).
الثاني: أن المراد بالمصيبة التي أصابتهم قتل عمر صاحبهم الذي أظهر أنه لا يرضى بحكم رسول الله - ﷺ -. ومعنى قوله: ﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ هو أنهم طالبوا عمر بدم صاحبهم، وحلفوا: ما أردنا (بهذه) (٣) المطالبة إلا إحسانًا وطلبًا لما يوافق الحق.
وهذا المعنى الثاني اختيار أبي إسحاق (٤).
(١) انظر: "البحر المحيط" ١/ ٥٧٥، و"الخصائص" ١/ ٣٣١، و"المحكم" و"اللسان" (فشل)، و"سر الصناعة" ١/ ١٤٠، و"مغني اللبيب" ٢/ ٣٨٧، ونسبه في "الدرر اللوامع" ٤/ ٢٥ لجويرية بن زيد ولرجل من بني عبد الدار في "شرح شواهد المغني" ٢/ ٨٠٧.
(٢) الظاهر أن هذا الكلام من كتاب "نظم القرآن" وهو مفقود ويؤكد هذا كلام المؤلف، وانظر: "تفسير الطبري" ٥/ ١٥٦، "بحر العلوم" ١/ ٣٦٤، "الكشف والبيان" ٤/ ٨٢ ب، "زاد المسير" ٢/ ١٢٠، "التفسير الكبير" للرازي ١٠/ ١٥٨، والقرطبي ٥/ ٢٦٤.
(٣) كلمه غير واضحه، ولا يبعد ما أثبته.
(٤) الزجاج في "معانيه" ٢/ ٦٩، وقد أشار إليه بإيجاز. وانظر: "الكشف والبيان" ٨٢/ ب "النكت والعيون" ١/ ٥٠٢، "زاد المسير" ٢/ ١٢١، "الرازي" ١٠/ ١٥٨.


الصفحة التالية
Icon