وقال السُّدِّي (١): لَمَّا انصرَفَ أبو سفيان وأصحابه مِن أُحُد إلى مَكَّةَ، هَمُّوا بالرجوع لاستئصال المسلمين، فألقى اللهُ في قلوبهم الرُّعْبَ، فَمَضوا ولم يرجعوا.
و (الإلقاء) (٢): أصلُهُ في الأعيان؛ كقوله: ﴿وَأَلقَى اَلأَلوَاحَ﴾ [الأعراف: ١٥٠]، ﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ﴾ [الشعراء: ٤٤]، ﴿إِذْ يُلْقُونَ﴾ [آل عمران: ٤٤].
ويُسْتَعْمَلُ في غير الأعيان؛ تَوَسُّعًا؛ كقوله: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: ٣٩]، ويقال: ألقَى عليه مَسْئلةً).
ومِثْلُ (الإلقاء) -في أنه يُسْتَعْمَلُ في الأعيان حقيقةً، وفي غير الأعيان تَوَسُّعًا-: (القَذْفُ)، و (الرَّجْمُ)، و (الرَّمْيُ)؛ يقال: (رَمَاهُ بالزِّنَا)؛ قال الله -عز وجل-: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ [النور: ٦] أي: بالزِّنَا. وهذا اتِّسَاعٌ؛ لأن هذا ليس بِعَيْنٍ، وكذلك: (القَذْفُ).
قال الشاعر:

قَذَفُوا سَيِّدَهُم في وَرْطَةٍ قَذْفَكَ المَقْلَةَ وَسْطَ المُعْتَرَكْ (٣)
(١) قوله، في: "تفسير الطبري" ٤/ ١٢٤، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١٣٠ ب، و"زاد المسير" ١/ ٤٧٤.
(٢) من قوله: (والإلقاء..) إلى (.. والعنق): نقله -بتصرف واختصار- عن "الحجة" للفارسي ٣/ ٨٥ - ٨٨
(٣) البيت ليزيد بن طُعْمَة الخَطْمِيِّ. وقد ورد منسوبًا له في: كتاب "المعاني الكبير" ١/ ٣٠٩، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٣٠ (مقل)، و"اللسان" ٨/ ٤٨١٣ (ورط)، ٧/ ٤٢٤٥ (مقل).
وورد غير منسوب في: "مجالس ثعلب" ٢/ ٥٤٢، و"الحجة" للفارسي ٣/ ٨٧. وقد ورد في "المعاني الكبير" (قذفوا جارهم في هُوَّةٍ..). =


الصفحة التالية
Icon