ومعنى قوله: ﴿فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ أي في الكفر، والمراد: فتكونون وهم سواءً (١)، فاكتفى بذكر المخاطبين عن غيرهم؛ لوضوح المعنى بتقدم ذكرهم.
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾. نهى عن مباطنة هؤلاء وموالاتهم، وهذا الحكم جارٍ في جميع المشركين، والمنافقين، والمستسرِّين الزندقة والإلحاد، لا يجوز نُسلِّم موالاة أحدٍ منهم.
وحكم المستسر بنوع من أنواع الكفر حكم المنافق، لا يُقتل ما دام يُظهر كلمة الشهادتين. ولو ثبت إلحاد أحد بإقراره ثم تاب قبلت توبته وحقن دمه بظاهر الشهادة، ولا سبيل إلى ما في قلبه، كما قال رسول الله - ﷺ - للمقداد: "هلا شققت عن قلبه" (٢).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
ابن عباس والأكثرون قالوا: المراد بالهجرة ههنا الرجوع إلى المدينة ودار الهجرة ثانيًا، ومهاجرة دار الشرك (٣).
(٢) إنما قال الرسول - ﷺ - ذلك لأسامة بن زيد، حيث كان في سرية بعثه فيها رسول الله - ﷺ - يقول: "فأدركت رجلًا. فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك. فذكرته للنبي - ﷺ - فقال رسول الله - ﷺ -:- "أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟! قال: قلت: يا رسول الله! إنما قالها خوفا من السلاح. قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟! ". الحديث أخرجه مسلم (٩٦) كتاب "الإيمان"، باب: تحريم قتال الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، ح ١١٥٨/ ٩٦. أما عن المقداد فقد ورد عن مسلم في هذا الباب بمعناه.
(٣) أخرج الأثر عن ابن عباس عن طريق العوفي عنه الطبري ٥/ ١٩٦، وانظر: "بحر العلوم" ١/ ٢٧٤، و"الكشف والبيان" ٤/ ٩٦ أ، و"زاد المسير" ٢/ ١٥٦، وابن كثير ١/ ٥٨٥.