وقوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ هذا وصف ثان معطوف على الوصف الأول للنكرة، وهو قوله: ﴿قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ (١).
وحصرت معناه: ضاقت (٢)، وكل من ضاق صدره بأمر فقد حصر ومنه قول لبيد:
جَرداء يَحصُر دونَها جُرَّامُها (٣)
يصف نخلة طويلة، يضيق قلبُ صارم ثمرها إذا نظر إلى أعلاها أن يرقى فيها لطولها (٤).
وذكرنا ما في هذا الحرف عند قوله: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] (٥).
واختلفوا في موضع قوله: ﴿حَصِرَت﴾ فالأكثرون قالوا: إنه في موضع الحال بإضمار قد (٦)، وذلك أن قد تقرب الماضي من الحال حتى

(١) انظر: "الكشف والبيان" ٤/ ٩٦ ب، و"الكشاف" ١/ ٢٨٨، و"المحرر الوجيز" ٤/ ١٦٣، و"الدر المصون" ٤/ ٦٤.
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ١٣٦، و"غريب القرآن" لابن قتيبة ص ١٣٠، والطبري ٥/ ١٩٨، و"الكشف والبيان" ٤/ ٩٦ ب.
(٣) عجز بيت للبيد وصدره كما في شعره ص (٤٣)، و"اللسان" ٢/ ١٩٥:
أعرضت وانتصبت كجذع منيفة
وقافيته في "اللسان": "صرامها" بالصاد، ومعنى جرداء: انجرد عنها سعفهان ويحصر: يتعب ويكل. وجرامها: قطاعها.
(٤) من "تهذيب اللغة" ١/ ٨٣٧ - ٨٣٨، وانظر: "اللسان" ٢/ ١٩٥ (حصر).
(٥) انظر: "البسيط" (النسخة الأزهرية) ١/ ل ١١٩، ١٢٠.
(٦) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٨٩، و"معاني الحروف" للرماني ص ٩٨، و"سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤١، و"مشكل إعراب القرآن" ١/ ٢٠٥، و"المحرر الوجيز" ٤/ ١٦٥، و"البحر المحيط" ٣/ ٣١٧، و"الدر المصون" ٤/ ٦٦.
وقد أشار كل من أبي حيان والسمين الحلبي إلى عدم الاحتياج إلى إضمار "قد" لكثرة ما جاء بدونها.


الصفحة التالية
Icon