فهي رسالة، فحسن لفظ الجمع (١)، ومن أفرد قال: القرآن كله رسالة واحدة، وأيضًا فإن لفظ الواحد قد يدل على الكثرة وإن لم يجمع كقوله تعالى: ﴿وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾ [الفرقان: ١٤] فوقع الاسم الواحد على الجمع كما يقع على الواحد، فكذلك الرسالة (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، أي: يمنعك أن ينالوك بسوء من قتل أو أسر أو قهر (٣)، وقالت عائشة: كان رسول الله - ﷺ - يُحرس حتى نزلت هذه الآية: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ وكان سعدٌ وحذيفة يحرسانه، فأخرج رسول الله رأسه من قبة أدم وقال: "انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله" (٤).
وقال الزجاج في قوله: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾: أي يحول بينهم وبين أن يصيبك منهم مكروه (٥)، فإن قيل: أليس قد شج جبينه وكسرت رباعيته؟، قلنا: كان هذا قبل نزول الآية؛ لأن هذه السورة من آخر القرآن نزولا، أو نقول: المراد بالعصمة: أن يعصمه من قتله وأسره على ما ذكرنا أولاً (٦).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: ٦٧]، قال

(١) انظر: "الحجة" ٣/ ٢٤٥.
(٢) "الحجة" ٣/ ٢٤٥، ٢٤٦.
(٣) انظر: "النكت والعيون" ٢/ ٥٣.
(٤) أخرجه بنحوه الترمذي (٣٠٤٦) كتاب: التفسير، باب: من تفسير سورة المائدة، "تفسير الطبري" ٦/ ٣٠٨، وعزاه في "الدر المنثور" ٢/ ٥٢٩ أيضًا إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ١٩٢.
(٦) انظر: "تفسير البغوي" ٣/ ٧٩، "زاد المسير" ٢/ ٣٩٧.


الصفحة التالية
Icon