ففي هذا بيان أنهم كانوا يشركون مريم وعيسى في الإلهية (١)، وهذا القول اختيار الزجاج، لأنه قال في معنى قوله: (ثالث ثلاثة): أنهم قالوا: الله أحد ثلاثة آلهة، أو واحد من ثلاثة آلهة. هذا كلامه (٢).
وعلى هذا المعنى لا بد من أن يكون في الآية إضمار واختصار، لأن المعنى أنهم قالوا: إن الله ثالث ثلاثة آلهة، أو ثالث ثلاثة من الآلهة، فحذف ذكر الآلهة، لأن المعنى مفهوم، ولا يكفر من يقول: إن الله ثالث ثلاثة إذا لم يرد الآلهة، ومطلق ثالث ثلاثة لا يكون كفرًا، فإنه ما من اثنين إلا والله ثالثهما بالعلم، كقوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧] (٣)، والذين يحقق أنهم أرادوا بالثلاثة الآلهة قوله تعالى في الرد عليهم: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ هذا طريق في الآية.
والمتكلمون حكوا عن النصارى في قولهم التثليث أنهم يقولون إن الباري سبحانه جوهر واحد، وأنه ثلاثة أقانيم: أب وابن وروح قدس، وهذه الثلاثة إله واحد، قالوا: واسم الإله يتناول هذه الثلاثة الأشياء، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة. وعنوا بالأب: الذات وبالابن الكلمة وبالروح القدرة، فأثبتوا الذات والكلام والقدرة، وقالوا: إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر واختلاط الماء باللبن، وزعموا أن الأب إله والابن إله والروح إله، وهو إله

(١) انظر: "بحر العلوم" ١/ ٤٥١، "تفسير البغوي" ٣/ ٨٢، "زاد المسير" ٢/ ٤٠٣.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١٩٦.
(٣) انظر: "تفسير الوسيط" ٢/ ٢٠٨، "تفسير البغوي" ٣/ ٨٢.


الصفحة التالية
Icon