فهذا جمع، ويقال: كيف مدحهم الله عز وجل بأن منهم قسيسين ورهبَانًا وليس هذان من أمور المسلمين، وقد نهى النبي - ﷺ - عنهما فقال: "إني لا آمركم أن تكونوا قسيسين ولا رهبانًا" (١)؟، والجواب عن هذا ما ذكره أبو بكر محمد بن القاسم (٢) رحمه الله فقال: إنما مدحهم الله تعالى بالتمسك بدين عيسى، وبأنهم استعملوا في أمر محمد - ﷺ - ما أخذ عليهم في التوراة والإنجيل، وكانت الرهبانية مستحسنة في دينهم، ولذلك كانوا يسمون الرئيس في دينهم قسًا وقسيسًا، فذكر الله تبارك وتعالى أسماءهم وألقابهم على سبيل ما يُعرف لهم، ومدح منهم تصديق النبي - ﷺ - (٣)، فكان تأويل قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا﴾، ذلك بأن منهم عليما أوصاه عيسى عليه السلام، الدليل على هذا قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ فلما دخلوا في الإِسلام [...] (٤) ما كان قبله وألزمهم الأخذ بما يأمر رسول الله - ﷺ - ورفض ما كانوا يستعلمونه في شريعتهم.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي عن اتباع الحق والإذعان به كما يستكبر اليهود وعبدة الأوثان) (٥) (٦).
(٢) ابن الأنباري.
(٣) انظر: "الوسيط" ٢/ ٢١٧، "زاد المسير" ٢/ ٤٠٨، ٤٠٩.
(٤) بياض في (ش) بمقدار كلمة.
(٥) "تفسير الطبري" ٧/ ٤، و"زاد المسير" ٢/ ٤٠٩.
(٦) إلى هنا نهاية السقط الذي سبقت الإشارة إلى بدايته من نسخة (ج).