هذا من باب حذف المضاف على معنى: جعل الله نَصبَ الكعبة قيامًا للناس، أي نصبها ليقوموا إليها لزيارتها (١).
ويؤكد هذا التفسير قول عطاء في هذه الآية: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ ولو تركوا عامًا واحداً لا يحجونه ما نوظروا أن يهلكوا (٢)، فهذا يدلك على أن معنى الآية: أن الله تعالى حث الناس على القيام إليها، وحكى أبو إسحاق هذا المعنى عن بعضهم فقال: أي مما أمروا أن يقوموا بالفرض فيه (٣).
وقال جماعة من المفسرين وأكثر أصحاب المعنى: القيام ههنا يراد به القِوام، وهو العماد الذي يقوم به الشيء، والتقدير فيه: جعل الله حج الكعبة البيت الحرام قيامًا لمعاش الناس ومكاسبهم، فاستتبت معايشهم به واستقامت أحوالهم لما يحصل لهم في زيارتها من التجارة وأنواع البركة (٤)، ولهذا قال سعيد بن جبير: من أتى هذا البيت يريد شيئًا للدنيا والآخرة أصابه (٥)، فالقيام على هذا يجوز أن يكون بمعنى القوام، قلبت واوه ياء لانكسار ما قبلها، وقد ذكرنا هذا مستقصى في قوله تعالى: ﴿الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ في سورة النساء (٦)، ووجه اختلاف القراء هناك، ويجوز

(١) "تفسير الطبري" ٧/ ٧٦ - ٧٨، "النكت والعيون" ٢/ ٦٩.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٢١٠.
(٤) انظر: الطبري ٧/ ٧٦، "بحر العلوم" ١/ ٤٦٠، "الوسيط" ٢/ ٢٣١، "زاد المسير" ٢/ ٤٣٠.
(٥) انظر: "الوسيط" ٢/ ٢٣١.
(٦) الآية رقم (٥) من النساء.


الصفحة التالية
Icon