وما سوى هذا المذهب من المذاهب في صلاة الخوف لا يُوافق الآية. واختاره (١) الزجاج أيضًا هذا الذي وصفنا، وزعم أنه مذهب أبي حنيفة في صلاة الخوف (٢)، فإن ذهب إلى حديث ابن عمر، أنه صلاها مع النبي - ﷺ -، قال: "فصف وراءه طائفةٌ منا، وأقبلت طائفة على العدو، فركع رسول الله - ﷺ - ركعة وسجدتين مثل نصف صلاة الصبح، ثم انصرفوا فأقبلوا على العدو، فجاءت الطائفة الأخرى فصلَّوا مع النبي - ﷺ - ففعل مثل ذلك، ثم سلم النبي - ﷺ -، فقام كل رجل من الطائفتين فصلى لنفسه ركعة وسجدتين" (٣).
فعنده الطائفة الأولى إذا انصرفت عن الإمام إلى القتال لا تقطع الصلاة، ويكونون في حكم المصلين إلى أن يفرغ الإمام مع الطائفة الثانية، ثم يقضون بأجمعهم ركعة واحدة، واحتج على هذا من الآية بقوله: ﴿فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ﴾ [النساء: ١٠٢] قال: وهذا دليل على أن الطائفة الأولى لم يفرغوا من الصلاة، ولكنهم يصلون ركعة، ثم تكون من وراء الطائفة الثانية للحراسة (٤).

(١) لعل الصواب: "واختار".
(٢) الكلام هنا فيه اضطراب، لأن الذي اختاره الزجاج ووصفه المؤلف خلاف مذهب أبي حنيفة -كما سيأتي عند المؤلف؛ ولأن الزجاج إنما ذكر رأي الإمام مالك.
انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٩٧، ٩٨.
(٣) أخرجه بهذِه اللفظ الإِمام أحمد في "مسنده" ٢/ ١٥٠.
وأخرجه بمعناه البخاري (٤١٣٢، ٤١٣٣) في كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع، و"مسلم" (٨٣٩) في كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الخوف، والثعلبي بلفظه في "الكشف والبيان" ٤/ ١١٣ أ.
(٤) هذا اختيار أبي حنيفة وأصحابه في صفة صلاة الخوف. انظر: "بحر العلوم" ١/ ٣٨٣، و"الكشف والبيان" ٤/ ١١٣ أ، و"النكت والعيون" ١/ ٥٢٤، ٥٢٥، والبغوي ٢/ ٢٧٨، و"زاد المسير" ٢/ ١٨٦، و"المغني" لابن قدامة ٣/ ٣٠١.


الصفحة التالية
Icon