وقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾ ذكر النحويون في محل ﴿مَنْ﴾ وجوها، تلك الوجوه مبنية على معنى النجوى في هذه الآية، فإن جعلنا معنى النجوى ههنا السر فيجوز أن تكون ﴿مَنْ﴾ في موضع النصب، لأنه استثناء الشيء من خلافه، فيكون نصبًا كقوله: إلا أواري (١).
ويجوز أن يكون رفعًا في لغة من يرفع المستثنى من غير الجنس (٢) كقوله:
إلا اليعافيرُ وإلا العيسُ (٣)
وأبو عبيدة جعل هذا من باب حذف المضاف، فقال: التقدير: إلا في نجوى من أمر بصدقة، ثم حذف المضاف (٤).
وعلى هذا التقدير يكون من في محل النجوى، لأنه أقيم مقامه، ويجوز فيه وجهان: أحدهما: أن الخفض بدلًا من نجواهم، كما تقول:

(١) من بيت للنابغة الذبياني يقول فيه:
"وقفت فيها أصيلًا لا أسائلها عيت جوابًا وما بالربع من أحد
إلا الأواريَّ لأيًا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد"
"الكتاب" ٢/ ٣٢١، و"معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٨٨، والطبري ٥/ ٢٧٦ - ٢٧٧، و"أشعار الستة الجاهلين" ١/ ١٨٨.
والأواري جمع: آري، وهو محبس الدابة ومعلفها.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٨٨، والطبري ٥/ ٢٧٧، و"معاني الزجاج" ٢/ ١٠٦.
(٣) عجز بيت لجران العود النميري، وصدره: "وبلدة ليس بها أنيس".
"الكتاب" ٢/ ٣٢٢، و "معاني الفراء" ١/ ٢٨٨، والطبري ٥/ ٢٧٧.
واليعافير: جمع يعفور وهو ولد الظبية، والعيس: بقر الوحش.
(٤) لعل المقصود أن هذا رأي الزجاج، حيث وجدت نحوه في "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ١٠٦، ولم أجد "مجاز القرآن" لأبي عبيدة شيئًا من ذلك.


الصفحة التالية
Icon