بالحرف الوضيعة، فقال نوح: ﴿وَمَا عِلْمِى﴾ بعملهم، أي: وجه مكاسبهم، [ما حساب] (١) عملهم إلا على الله، فوض دناءة مكاسبهم إلى الله تعالى أي: أنه أعلم بعملهم وما لي ولذلك، وكذلك في هذه الآية كان هؤلاء الفقراء يعملون بالنهار لقوتهم ويرجعون إلى مسجد رسول الله - ﷺ - فازدراهم المشركون لفقرهم وحاجتهم إلى الأعمال الخسيسة لقوتهم، وهمّ النبي - ﷺ - برفع المشركين عليهم في المجلس فقيل له: ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [أي: لا يلزمك عار بعملهم ﴿فَتَطْرُدَهُمْ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾] (٢) ذكر تأكيدًا للمطابقة وازدواج الكلام، وإن كان مستغنى عنه بالأول)، وإلى هذا المعنى أشار الزجاج (٣).
القول الثاني: ما عليك من حساب رزقهم من شيء فتملهم وتطردهم، ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾، أي: ليس رزقك عليهم ولا رزقهم عليك وإنما يرزقك وإياهم الله الرازق، فدعهم يدنون منك ولا تطردهم (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ جواب لقوله: ﴿وَلَا تَطْرُدِ﴾ في أول الآية (٥)، ومعناه: فتكون من الضارين لنفسك بالمعصية؛ قاله ابن عباس (٦).

(١) لفظ: (ما حساب) ساقط من (أ).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من أصل (أ)، وملحق بالهامش.
(٣) لم أقف عليه في "معانيه"، وفي "الكشاف" ٢/ ٢٢ نحوه.
(٤) هذا اختيار الطبري في "تفسيره" ٧/ ٢٠٦.
(٥) هذا قول الطبري في "تفسيره" ٧/ ٢٠٦، والزجاج في "معانيه" ٢/ ٢٥٢، والنحاس في "معانيه" ٢/ ٤٣٠، ومكي في "المشكل" ١/ ٢٥٣، وانظر: "الدر المصون" ٤/ ٦٤٦.
(٦) "تنوير المقباس" ٢/ ٢٣.


الصفحة التالية