واختلف القرّاء (١) في قوله: ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ﴾ فـ ﴿فَأَنَّهُ﴾ فقرأ بعضهم بالفتح فيهما أما فتح الأولى فعلى التفسير للرحمة، كأنه قيل: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ﴾.
وأما فتح الثانية فعلى أن تجعله بدلاً من الأولى كقوله تعالى: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٥]، وقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾ [الحج: ٤]، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ٦٣]، وهذا معنى قول الفراء (٢) والزجاج (٣). قال أبو علي: (من فتح الأولى جعلها بدلاً من ﴿الرَّحْمَةَ﴾، وأما التي بعد الفاء فعلى أنه أضمر له خبرًا تقديره: فله أنه ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي: فله غفرانه، أو أضمر مبتدأ يكون أن خبره كأنه فأمره أنه ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وعلى هذا التقدير يكون الفتح في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ (٤) [التوبة: ٦٣] تقديره: فله أن ﴿لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ وإن شئت قدرت، فأمره أن ﴿لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ فيكون خبر هذا المبتدأ المضمر.
انظر: "السبعة" ص ٢٥٨، و"المبسوط" ص ١٦٨، و"التذكرة" ٢/ ٣٩٨، و"التيسير" ص ١٠٢، و"النشر" ٢/ ٢٥٨.
(٢) انظر: "معاني القرآن للفراء" ١/ ٣٣٦ - ٣٣٧.
(٣) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٥٣ - ٢٥٤، و"الأخفش" ٢/ ٢٧٥ - ٢٧٦، و"النحاس" ٢/ ٤٣١ - ٤٣٢، و"إعراب القرآن للنحاس" ١/ ٥٣٨.
(٤) في (أ): (تعلموا) بالتاء.