الكلام عند قوله ﴿وَلَا يَابِسٍ﴾ ثم استأنف خبراً آخر بقوله تعالى: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ بمعنى: وهو ﴿فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ أيضًا؛ لأنك لو جعلت قوله ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ متصلًا بالكلام الأول فسد المعنى)، وبيان فساده (١) في فصل طويل ذكرناه في سورة يونس في قوله: ﴿وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (٢) [يونس: ٦١]، [ومعنى قوله ﴿فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (٣)] قال أبو إسحاق: (يجوز أن يكون الله عز وجل أثبت ذلك في كتاب من قبل أن يخلق كما قال جل وعز: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢]، فأعلم جل وعز أنه قد أثبت ما خلق من قبل خلقه) (٤).
قال ابن الأنباري وغيره (٥): (وفائدة كتب الله ذلك في اللوح

= ﴿وَلَا حَبَّةٍ﴾ ﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ﴾ معطوف على قوله: ﴿مِنْ وَرَقَةٍ﴾ والاستثناء الأول منسحب عليها كما تقول: ما جاءني من رجل إلا أكرمته ولا امرأة، أي: إلا كرمتها، ولكنه لما طال الكلام أعيد الاستثناء على سبيل التوكيد وحسنه كونه فاصلة) ا. هـ ملخصًا، وجعل بعضهم الاستثناء الثاني بدلاً من الأول. انظر: "غرائب الكرماني" ١/ ٣٦٣، و"البيان" ١/ ٣٢٤، و"التبيان" ١/ ٣٣٧، و"الفريد" ٢/ ١٦١.
(١) قال السمين في "الدر" ٤/ ٦٦٢: (فساد المعنى من حيث اعتقد أنه استثناء آخر مستقل، ولو جعله استثناء مؤكدًا للأول لم يفسد المعنى، وكيف يتصور تمام الكلام على قوله: ﴿وَلَا يَابِسٍ﴾ ويبتدأ بإلا، وكيف تقع إلا هكذا؟) ا. هـ. ملخصًا.
(٢) لفظ: ﴿وَلَا أَكْبَرَ﴾ ساقط من (أ).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٤) "معاني القرآن" ٢/ ٢٥٧، وقال النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٣٧: (أي: إلا يعلمه علمًا يقينًا، ويجوز أن يكون المعنى: إلا قد كتبه قبل أن يخلقه، والله أعلم بما أراد) ا. هـ.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ٢١٣، و"معاني النحاس" ٢/ ٤٣٧، و"تفسير الرازي" ١٣/ ١٠ - ١١.


الصفحة التالية
Icon