وقوله تعالى (١): ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ﴾. قال الفراء: (يريد: الآلهة أنها صور لا تبصر ولم يقل: وتراها لأن لها أجسامًا وعيونًا، والعرب تقول للرجل والقريب من الشيء: هو ينظر وهو لا يراه، والمنازل تتناظر إذا كان بعضها بإزاء بعض) (٢)، فمعنى ﴿يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ هاهنا: يقابلونك، ونحو هذا قال ابن الأنباري (٣) فقال: (المعنى: ﴿وَتَرَاهُمْ﴾ يقربون منك ويدنون وهم غير مبصرين)، وذكر وجهًا آخر فقال: (معنى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ يخيل إليك أنهم يبصرون وهم غير مبصرين) (٤).
وشرح أبو علي الجرجاني هذه الوجه واختاره فقال: (قوله: ﴿وَتَرَاهُمْ﴾، أي: تحسبهم، والرؤية على وجهين أحدهما: العلم وهو كثير كقوله: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى﴾ [غافر: ٢٩] أي: ما أعلمكم إلا ما أعلم، والآخر: الشك كقوله: ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى﴾ [الحج: ٢] أي: تحسبهم كذلك. ومنه قول الشاعر (٥):
ترى الأكم منه سجدًا للحوافر

(١) جاء في النسخ بعد قوله: (المقدم). قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾. وقوله تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ وهو تكرار.
(٢) "معاني الفراء" ١/ ٤٠١.
(٣) "الزاهر" ١/ ٣٥٢، وفيه قال: (معناه: يواجهونك، يقال: الجبل ينظر إليك، والحائط يراك، أي: يواجهك ويقابلك) اهـ.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٨٧.
(٥) البيت لزيد الخيل وصدره:
بجمع تضل البلق في حجراته
وقد سبق تخريجه والكلام عليه.


الصفحة التالية
Icon