بل وصل الأمر ببعضهم إلى انتقاص علماء الشريعة الذين لا معرفة لهم بالإعجاز العلمي.
ولو أن هذه العناية التي يدعو إليها هؤلاء صُرِفت إلى فهم كتاب الله وما فيه من حِكَمٍ ومقاصد أُنزل من أجلها، لكان في ذلك من الخير والنتائج أضعاف ما يحصل من العناية بالإعجاز العلمي.
٥ - إن الله قد بيَّن لنا المقاصد والغايات التي أنزل القرآن من أجلها، وقد بين لنا سبحانه الدلائل الواضحة والبينة على صدق هذا الكتاب وصدق هذا النبي صلّى الله عليه وسلّم من حين نزل القرآن، فلماذا نهمل كل هذه الأمور ونتَّجه إلى جزئية صغيرة اعتورها كثير من المحاذير، فالعدل والإنصاف يقتضي أن يعطى كل شيء قدره، وأن ينزل كل أمر في منزلته، وما لم نفعل فسوف نصرف جهودنا في أمورٍ غيرُها أولى منها، ونشتغل بما هو أدنى عما هو خير.
٦ - إن ما يقوم به المعتنون بالإعجاز، إما أن يكون بحثاً محضاً في العلوم الطبيعية، وإما أن يكون تفسيراً لكلام الله، فإن كان بحثهم في مجال تخصُّصهم فلهم أن يبينوا قدرة الله ولطفه في كونه لا يردُّهم في هذا الأمر أحدٌ، بل تلك طريقهم التي يحسن بهم أن يسلكوها ويدرِّسوا الطلاب على هذا السبيل لكي لا ينفك الطلاب عن النظر والتفكر في قدرة الخالق سبحانه وتعالى.
وإن كان بحثهم في مجال التفسير، فإن تفسير كلام الله عزّ وجل باب خطير لا يحق للإنسان أن يلجه إلا بعد أن يتأهل لذلك، وقد قرر العلماء أن من فسر القرآن بمجرد رأيه، فإنه يكون مخطئاً ولو أصاب في تفسيره، فكيف بمن يدخل في باب التفسير ببضاعة مزجاة ويتجرأ على تفسير كلام الله عزّ وجل ويتهجم على أهل التفسير الذين أفنوا أعمارهم في تعلُّم هذا العلم وتعلُّم أدواته، فللتفسير شروط وطرائق لا بدَّ من الإتيان بها