على أنَّ من ألَّف كتاباً لطلابه فهم أدرى به من غيرهم ممن يجيء بعدهم، وأنه لو وقع اختلاف في الفهم بين طالب من طلاب الأستاذ ورجل جاء بعده بقرون فإن العقل يدلُّ على قبول قول الطالب وتقديمه لأنه أدرى بكتاب أستاذه وبملابساته.
وهذه الصورة شبيهة بحال من نزل القرآن بين ظهرانيهم، وتعلموا على يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعلَّموا أتباعهم هذا الكتاب، فهم أدرى به وبملابساته من غيرهم، فلا يقع في ظنِّ أحدنا أنه فاتهم شيء من فهم هذا القرآن.
٩ - فإن قلت: ما ظهر لنا في هذا الزمان من تصديق لما في كتاب ربنا مما اكتشفه الباحثون في الأرض والسماء، كيف نعمل به مع ما ذكرتَ؟
فالجواب: إن ثبوت فهم السلف لجميع معاني القرآن لا يعني انتهاء هذا الفهم عندهم فقط، لكنه يعني أنه لم يبقَ عندهم ما يحتاجون إليه ولم يفهموه؛ هذا أولاً.
وثانياً: إنهم قد ظهر عندهم أفهام جديدة بسبب بعض الحوادث التي حدثت في عصرهم، ونزَّلوها على الآيات، وعملوا بها، فدل ذلك على أصل المسألة، وهو جواز إحداث قول جديد؛ لأن القول بغير ذلك يلزم منه وقوف التفسير، فأين تقف به؟ أتقف به على الصحابة، أم على التابعين، أم على أتباع التابعين، وما الحجة في ذلك، وأين تضع ما صح من تفسيرات للعلماء الذين جاءوا بعدهم؟
ثالثاً: إن ما صح دلالة القرآن عليه من قضايا العلوم المعاصرة لا يُعترضُ عليه بعدم معرفة السلف له، وإنما يُرفضُ لو كانوا عَلِموه فأبطلوه، أو عُلِمَ أنهم علِموه فتركوه، فتركهم مع علمهم به يدل على وجود إشكال في ذلك، وذلك ما لم يقع منهم.


الصفحة التالية
Icon