رابعاً: إن تفسير القرآن بما صح واحتملته الآيات من هذه العلوم المعاصرة لا يدل على جهل السلف، بل ليس من باب الأدب أن يُنسبوا إلى ذلك؛ لأن المسألة لا تدخل من هذا الباب، بل هي تدخل في باب تطور العلم البشري، وليس يلزم أن يكون جمهور الصحابة يعلمون كل شيء كان في عصرهم فضلاً عما سيجيء بعدهم.
١٠ - إن منهج التفسير الذي سار عليه العلماء، ونصَّ عليه بعضهم أنَّ القول الذي قيل بعد جيل السلف في طبقاتهم الثلاث (الصحابة والتابعون وأتباعهم) يُقبل بضوابط، وهي: أن يكون القول صحيحاً في ذاته، وأن تحتمله الآية، وأن لا يكون في القول به إبطالٌ لتفسير السلف، وأن لا يُقتصر على هذا القول حتى لا يُفهم أن غيره غير صحيح، فإذا وافقَ قولٌ هذه الضوابط فهو قول يدخل في محتملات الآية، ولا يلزم أن يكون هو القول الصحيح الوحيد، والله أعلم.
١١ - إن بعض من كتب في الإعجاز العلمي وكذا بعض مجلاَّت الإعجاز العلمي يشترطون شروطاً صحيحة في ذاتها، لكنها قد تكون مطاطةً غير محددة، فيقع الإخلال بشيء منها عند بعض من يكتبون في الإعجاز العلمي من حيث يدري أو لا يدري، فأحدهم يفسر قوله تعالى: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ *وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ *ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ *فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فصلت: ٩ - ١٢] فيقول: «والاستواء الإلهي رمز للسيطرة الكلية، والقصد بإرادة الخلق والتكوين، والتسوية للكون بأرضه وسمائه...»، ويقول في موطن بعد هذا: «والدحو لغة: هو المد والبسط والإلقاء، وهو كناية عن الثورات