ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية وأسأله عنها» (١).
وبقي الحال كذلك في أتباع التابعين الذين كانوا أكثر طبقات السلف تدويناً للتفسير، وجمعاً لما روي عن الصحابة والتابعين، وفي عصرهم ظهر أول مدوَّن كاملٍ في التفسير (٢)، وكان لهم أقوال في التفسير، كما كان لهم اختيارات من أقوال من سبقهم، وهذا يعني أن من استقرأ تفسير السلف وجد أنهم قلَّما يتركون آية لا يتكلمون عنها، ويبينون ما فيها من المعاني، سواءٌ اتفقوا في تفسيرهم أم كان اختلافهم فيه اختلاف تنوع (٣)، أو اختلاف تضادٍّ (٤)، والتضاد في تفسيرهم قليل.
كما سيظهر للمستقرئ أن ما تركوه إنما هو واضح ظاهر لا يحتاج إلى بيان، وأنَّ كثيراً مما بحثه المتأخرون إنما يتعلق بمسائل علمية خارجة عن حدِّ التفسير الذي هو بيان معاني القرآن، وبحث بعض هذه المسائل موجود في تفاسير السلف، لكنه توسع وزاد في تفاسير المتأخرين.
لكن مما يحسن ذكره هنا أن يعرف المفسر المعاصر أن اجتهاده في التفسير سيكون في أمرين:
الأمر الأول: الاختيار من أقوال المفسرين السابقين.
الأمر الثاني: الإضافة على ما قاله السلف، ولكن يحرص على أن يكون مضيفاً لا ناقضاً ومبطلاً لأقوالهم.
_________
(١) تفسير الطبري، تحقيق معالي الدكتور عبد الله التركي (١: ٨٥).
(٢) أعني: تفسير مقاتل بن سليمان.
(٣) التنوع: ما تحتمله الآية من أقوال؛ كتفسيرهم للصراط المستقيم بأنه القرآن أو الإسلام، وهو يحتمل هذين الأمرين احتمالاً متنوعاً لا متناقضاً متضادّاً، فلو قيل بهما معاً لأمكن ذلك.
(٤) هما القولان اللذان إذا قيل بأحدهما في الآية سقط الآخر؛ كتفسير القرء بالطهر والحيض، فإذا قيل بالطهر سقط الحيض، وإذا قيل بالحيض سقط الطهر، إذ لا يمكن اجتماعهما في زمن واحدٍ بحيث يُطلب من المرأة أن تتربص بالأطهار والحيض معاً.