استرجاعها إلى مادتها الأولية (١).
وهذا المعنى المذكور ينطبق على الوصف المذكور في الآية، وهو قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ [الحج: ٧٣]، لكن من الذي لا يستطيع استنقاذه عند من يذهب إلى هذا التفسير؟
سواءً أقال: لا تستطيع الآلهة، أو قال: لا يستطيع الناس، فإن الوصف صحيح منطبق على معنى الجملة، لكن السياق في الآلهة وليس في الناس كما ترى.
وهذا القول إذا قيل به على أنه احتمال ثانٍ مما تحتمله الآية، فإنه يصح تفسير الآية به على أنه مثال آخر من أمثلة ما لا يستطيعون استنقاذه مما يأخذه الذباب، وليس بمبطل لقول السلف.
وتفسير السلف أولى لأن ما قالوه ظاهر لجميع الناس يدركونه بلا حاجة إلى مختبرات، بخلاف القول المعاصر الذي لم يره إلا النادر من الناس، ولا يدركه تمام الإدراك إلا القلة منهم، فليس كل الناس عندهم مختبرات يمكنهم أن يروا تحوُّل مادة الطعام التي يأكلها الذباب.
ومع هذا الترجيح يبقى ما قاله المعاصرون قولاً صحيحاً محتملاً يمكن القول به، لكن القاعدة السليمة في ذلك: أن تثق بمعرفة السلف وتفسيرهم لجميع القرآن، وأنهم لم يخرجوا عن الفهم الصحيح في تفسيرهم، ثم تعرف ما يمكن لمن جاء بعدهم عمله من الاختيار أو الزيادة المقبولة.
وهذا المثال التطبيقي هو المنهج لمن أراد أن يزيد على تفسير السلف، وأن يأتي بجديد من المعاني أو الاستنباطات، فهو لا يترك ما قالوه، ولا يجمد عنده فلا يأتي بجديد.
_________
(١) ينظر على سبيل المثال: موسوعة الإعجاز العلمي، ليوسف الحاج أحمد، نشر مكتبة ابن حجر بدمشق (ص: ٥١٤).